وفي هذا الإطار، أكّد مصدر عسكري من فصائل المعارضة في إدلب أنّ "الوضع في المحافظة يتّجه إلى الحلّ من دون عملية واسعة من قبل الروس والنظام"، موضحاً أنّ "اللاعب الأساسي في إدلب سيكون الجانب التركي الذي يبدو أنّه توصّل إلى تفاهمات مع الروس بهذا الشأن".
وأشار المصدر إلى أنّ "التعزيزات العسكرية التركية لنقاط المراقبة في إدلب كلّها مؤشرات تدلّ على أنّ من سيحلّ مشكلة هيئة تحرير الشام ومثيلاتها، ويشرف على إدارة المحافظة هو الجيش التركي"، مضيفاً "أعتقد أنّ هناك نيّة لفتح الطرق الدولية التي تمرّ في محافظة إدلب، حلب - دمشق، وحلب -اللاذقية، وأتوقّع أنّ حماية هذه الطرقات والإشراف عليها سيكونان مشتركين بين تركيا وروسيا".
وكان شهود عيان في إدلب قد قالوا لـ"العربي الجديد"، أمس الإثنين، إنّ الجيش التركي أرسل مزيداً من التعزيزات والعربات العسكرية إلى منطقة "خفض التصعيد" في إدلب، ووصلت هذه التعزيزات إلى نقطة المراقبة قرب مدينة مورك، بريف حماة الشمالي. وأفاد شهود العيان بأنّ رتلاً عسكرياً تركياً دخل أمس، من معبر "كفرلوسين" نحو محافظة إدلب، ويضمّ عشرات الآليات والمدرّعات والجنود، فيما أكّد سكان محليون في مورك لـ"العربي الجديد" أنّ "قوات عسكرية تركية إضافية تمركزت خلال اليومين الماضيين في نقطة مراقبة الجيش التركي، القريبة من مدينة مورك شمالي حماة".
ومنذ أكثر من أسبوع، وصلت عدّة أرتالٍ عسكرية تركية جديدة إلى منطقة "خفض التصعيد"، التي تضم كامل محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب وإدلب المتّصلة بها، إذ توزّعت التعزيزات الجديدة على نقاط مراقبة عدة، من أصل 12 نقطة أقامها الجيش التركي شمال غرب سورية. ونشرت وكالة "الأناضول" التركية تقريراً عن التعزيزات العسكرية الجديدة في شمال غرب سورية، لكنها قالت إنّ التعزيزات الأخيرة تأتي ضمن عملية "غصن الزيتون" في عفرين.
وتحوّلت إدلب إلى مركز اهتمام إقليمي ودولي متصاعد، في ظلّ تراجع فرضيات العمل العسكري، إذ بات من الواضح أنّ جميع الأطراف تسعى إلى إنجاح الجهود الدبلوماسية المكثّفة، وتخفيف حدّة التوتر بين أطراف الصراع الفاعلة في سورية.
وفي السياق ذاته، تصاعدت نبرة تصريحات مسؤولين روس وإيرانيين عن تخليص محافظة إدلب من المقاتلين من دون الحديث عن عملية عسكرية وشيكة أو التلويح بها، ما يعدّ تراجعاً واضحاً عن تهديدات سابقة عن نيّة النظام وحلفائه "سحق" المعارضة في شمال غربي سورية. وقال وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، أمس، في العاصمة السورية دمشق، إنه "يجب تطهير محافظة إدلب بشمال غرب سورية من المقاتلين"، وفق تعبيره.
وتأتي زيارة ظريف إلى دمشق قبيل القمة الثلاثية المرتقبة لقادة كل من تركيا وروسيا وإيران، المقرّر انعقادها في 7 سبتمبر/ أيلول الحالي، في العاصمة الإيرانية طهران، وهي القمة الثالثة التي تجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، بعد قمة أولى عقدت في مدينة سوتشي الروسية، وأخرى في العاصمة التركية أنقرة، للدول الضامنة لمسار اتفاق أستانة بشأن الملف السوري.
من جهته، أشار وزير خارجية النظام، وليد المعلم، في تصريحات صحافية قبيل مغادرته العاصمة الروسية إلى أنّ "الموضوع الأساسي لقمة روسيا وإيران وتركيا التي ستعقد في طهران، سيكون موضوع تحرير مدينة إدلب السورية"، وفق تعبيره.
إلى ذلك، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن "مصادر دبلوماسية" قولها إنّ "زيارة ظريف إلى دمشق ترتبط بالتحضيرات الجارية من قبل قوات النظام، لاستعادة إدلب"، مشيرةً إلى أنّه "يمكن أن يتم التوصّل خلال قمة طهران إلى تفاهمات حول معركة إدلب المقبلة".
وقالت "الوطن" إنّ المفاوضات الروسية التركية حول إدلب "قطعت شوطاً كبيراً"، زاعمةً أنّ هذه المفاوضات "قادت إلى تنازلات تركية واسعة تقضي بعودة المحافظة كاملة إلى حضن الدولة السورية بالتدريج، سواء عبر عمليات عسكرية في أطرافها، أو وفق عملية سياسية في العمق". ونقلت الصحيفة نفسها عن مصادر قولها إن "نتائج المفاوضات، التي لم تصل إلى طريق مسدود بعد حول عقدة جبهة النصرة، ستعرض على قادة قمة الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، لإقرارها وتحديد ساعة صفر العملية العسكرية للجيش السوري التي يتوقّع أن تعقب القمة مباشرة"، وفق مصدر الصحيفة.
من جانبها، نقلت وسائل إعلام روسية عن وزير الخارجية سيرغي لافروف قوله، أمس، إنه "لا يمكن تقبّل الوضع كما هو عليه في محافظة إدلب السورية لأجل غير مسمى"، معتبراً أنّ للنظام "كل الحق في القضاء على المسلحين في المحافظة الشمالية".
وتبدي دول أوروبية هي الأخرى اهتماماً كبيراً بشمال غربي سورية، ما يعكس مدى القلق الدولي من تطورات الموقف العسكري والإنساني في هذه المنطقة، التي ينتظر سكانها نتائج تحرّكات لا تكاد تهدأ لحسم الموقف. وفي هذا الإطار، حذّرت فرنسا، أمس، من وقوع "مجزرة" في إدلب. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إنّ بلاده تسعى لإيجاد "مخرج" في ما يخصّ مصير إدلب، بالتعاون مع روسيا وتركيا، واصفاً الأوضاع هناك بأنّها كـ"القنبلة الموقوتة". وأكّد لودريان في تصريحات للإعلام الفرنسي أنّ "باريس تعمل مع مجموعة أستانة للحيلولة دون وقوع مجزرة في إدلب".
كذلك، حذّر لودريان من أنّ "هناك خطراً في ما يتعلّق باحتمال معاودة النظام السوري استخدام سلاح كيميائي في إدلب"، مشدداً على أنّ "الحلّ الوحيد هناك هو حلّ سياسي". وأشار إلى "إمكانية حدوث موجة لاجئين جديدة نحو تركيا في حال اندلاع حرب".
ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي يخشى من انفجار "القنبلة البشرية" في محافظة إدلب، وهو ما قد يدفع بعشرات آلاف السوريين إلى تكرار سيناريو الهجرة الجماعية التي جرت في عام 2015، والتي لا تزال تلقي بظلالها على دول أوروبية عدّة اضطرت لاستقبال اللاجئين. ويعزّز ذلك التخوّف الأوروبي من عدم التوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة في إدلب.
وكانت الأمم المتحدة قد حذّرت الأسبوع الماضي من أنّ محافظة إدلب التي يعيش فيها ثلاثة ملايين شخص، معظمهم نازحون من المحافظات الأخرى، قد تشهد "أسوأ سيناريو" منذ اندلاع الأزمة في سورية، مشيرة أيضاً إلى أنّها تجري حالياً اتصالات مكثّفة وعلى المستويات كافة، مع الدول الثلاث الضامنة لـ"مسار أستانة".
وتؤكّد مصادر إعلامية تركية أنّ حدوث موجة نزوح جديدة باتجاه الحدود مع مدينة هاتاي التركية، نتيجة عمليات عسكرية في شمال غربي سورية، "موضع قلق تركي كبير"، ولذلك تشدّد أنقرة على ضرورة حماية اتفاقية وقف إطلاق النار في إدلب. كذلك تخشى تركيا من انتقال مسلحين متشددين إلى أراضيها في حال وقوع هجوم على إدلب التي تشترك مع تركيا بـ130 كيلومتراً من الحدود البرية، وهو ما يدفع الحكومة التركية إلى تكثيف الاتصالات مع روسيا وإيران للحيلولة دون وقوع عمل عسكري واسع، وهو ما قد يفرض على الأتراك تنازلات في جوانب متعددة في الأزمة السورية.
ويبدو أن الطرف الروسي غير متحمّس لعملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب، ولكنه يبحث في المقابل عن حلول لمشكلة "هيئة تحرير الشام" التي تشكّل "جبهة النصرة" ثقلها الرئيسي، وتنظيمات أكثر تطرفاً تسيطر على مساحات كبيرة من المحافظة. ومن الممكن أن يوكل الروس هذه المهمة للجانب التركي. كذلك يريد الجانب الروسي فتح طريقين دوليين يربطان بين حلب -دمشق، وحلب - اللاذقية، يمرّان عبر محافظة إدلب، مع فتح الطرق المؤدية إلى معبري باب السلامة، وباب الهوى، ما يؤدّي إلى تنشيط حركة التجارة، وهو ما يصبّ في مصلحة النظام.
كذلك يسعى الروس إلى تأمين قاعدة "حميميم" العسكرية من خلال السيطرة على ما تبقّى من جبلي الأكراد والتركمان في ريف اللاذقية الشمالي خارج سيطرة قوات النظام، بالإضافة إلى ريف مدينة جسر الشغور الغربي، وكذلك تأمين مدينة حلب، من خلال دفع المعارضة السورية المسلحة عن ريفها الغربي، حيث لا تزال المعارضة تتمركز عند حدود مدينة حلب، كبرى مدن الشمال الغربية، وهو ما يعدّ مصدر قلق للنظام والروس داخل المدينة.
ويبحث النظام السوري عن نصر "إعلامي"، يؤكّد من خلاله أنه "انتصر في الحرب" على السوريين، إذ تعدّ إدلب آخر معقل بارز للمعارضة السورية بعد أن خسرت تباعاً مناطقها في جنوب ووسط البلاد، من خلال "مصالحات" تبيّن لاحقاً أنها اتفاقات "استسلام" تحاول المعارضة تفاديها في شمال غربي سورية.
"لا إدلب بعد إدلب"، ومن ثمّ لم يعد أمام جميع الأطراف في سورية إلا البحث عن حلول سياسية ترحّل مشكلة المحافظة مؤقتاً حتى ينضج التوجّه التركي حيال المنطقة، إذ لم يعد أمام أنقرة إلا إقناع الروس بقيام الجيش التركي وفصائل تابعة للمعارضة بعملية عسكرية تنهي وجود "هيئة تحرير الشام" في إدلب، وتنظيمات أخرى، لتفادي "الكارثة"، في حال تقدّم قوات النظام إلى المنطقة التي تغلي ترقباً وانتظاراً.