كما يثير القصف المتواصل أسئلة متعددة حول جدية الجانب الروسي في تجنيب المنطقة صراعاً جديداً، وخصوصاً أنه - كما يبدو - لم يضغط على النظام لإيقاف القصف. ويحاول الأخير دفع شمال غربي سورية إلى مزيد من التأزيم، في محاولة لانتزاع السيطرة عليه، أو على الأقل السيطرة على ريف إدلب الجنوبي، ومناطق في الريف الغربي. وفي ظلّ هذه التطورات، تستعد المعارضة السورية لترتيب أوراقها السياسية والعسكرية لمواجهة الاحتمالات كافة، بما فيها عودة الصراع إلى مربعه الأول.
وبعد يوم على بدء تسيير دوريات تركية، قصفت قوات النظام أمس السبت بالمدفعية والصواريخ، أحياء ومحيط مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، موقعة أضراراً مادّية. كما طاول القصف مناطق عديدة في بلدة معرة حرمة وبلدة زيتان بريف حلب الجنوبي. كذلك قصفت قوات النظام بالمدفعية الحي الشمالي في مدينة قلعة المضيق بريف حماة الغربي، وقرية الحويز، بالتزامن مع تحليق طائرة حربية روسية فوق جبل الزاوية وجبل شحشبو، ومنطقة سهل الغاب شمال غربي مدينة حماة في وسط البلاد.
وفي السياق، قال الناشط أدهم الحسن من مدينة خان شيخون لـ"العربي الجديد"، إنّ المواقع التي يصدر القصف منها على المناطق المشمولة بالاتفاق الروسي التركي، "تتمركز فيها مليشيات محلية تديرها روسيا لا إيران"، ما يثير علامات استفهام عديدة حول سبب سماح موسكو بالقصف رغم التفاهمات مع تركيا.
وفي الإطار ذاته، أكّدت مصادر عسكرية من المعارضة لـ"العربي الجديد"، أنّ "مصدر القصف على المناطق المشمولة بالاتفاق التركي الروسي، هو معسكر الكبارية الذي تتمركز فيه قوات روسية في معردس، والمعسكر الروسي في صوران، والمعسكر الروسي في حلفايا، ونقطة المدفعية الروسية في قبيبات أبو الهدى، ونقطة أبو دالي".
ونشرت وسائل إعلام تركية مقاطع مصورة، تظهر فيها دوريات الجيش التركي التي تم تسييرها الجمعة في قرى محافظة إدلب السورية، وسط ترحيب من المدنيين الذين يأملون أن يسهم نشر الدوريات في الحدّ من القصف، الذي تسبب بمقتل وإصابة المئات من المدنيين وتهجير نحو 100 ألف آخرين منذ مطلع شهر فبراير/ شباط الماضي.
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنّه "تمّ رصد خروج أول دورية عسكرية، الجمعة، تضمّ قرابة عشر عربات مصفحة وسيارة مدنية، تحمل الأعلام التركية، من نقطة المراقبة التركية الواقعة في منطقة العيس، شمال شرقي إدلب، متجهة نحو سراقب".
ووصف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أول من أمس، تسيير الدوريات التركية والروسية في المنطقة المقابلة، بـ"الخطوة الهامة" لحفظ الاستقرار ووقف إطلاق النار، موضحاً أنّ "عملية الفرز بين المعارضة والمجموعات الراديكالية في إدلب لا تزال متواصلة"، في إشارة واضحة إلى "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) ومجموعات مرتبطة بها.
ولم يتوقف القصف المدفعي من قبل قوات النظام على مدى أربعين يوماً، بالتزامن مع حرب نفسية وإعلامية، فيما لا تزال المعارضة السورية تحاول مساعدة الجانب التركي في تطبيق الاتفاق، ولم تنسَق وراء محاولات النظام نسف "سوتشي"، ولا سيما أنّ أيّ تصعيد يخرج عن السيطرة في المنطقة ستنتج عنه مخاطر عديدة، تهدّد نحو 4 ملايين مدني يوجدون في بقعة جغرافية ضيقة.
وفي ظلّ تصاعد التهديدات من النظام وحلفائه، تحاول المعارضة ترتيب أوراقها استعداداً للمرحلة المقبلة، التي ربما تشهد انهيار اتفاق سوتشي المبرم بين الروس والأتراك في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. وتسعى المعارضة إلى توحيد صفوفها العسكرية والسياسية، لا في ملف محافظة إدلب ومحيطها فقط، بل على صعد مختلفة، في ظلّ تراجع الآمال في تحقيق اختراق سياسي يمهّد لحل سياسي جدّي.
ومن المقرّر أن تعقد قوى المعارضة السورية اجتماعاً موسعاً خلال الفترة المقبلة في مدينة أنطاكية جنوب تركيا، وذلك بهدف بحث مصير إدلب، وقضايا أخرى، منها مصير الحكومة المؤقتة التي استقال رئيسها جواد أبو حطب، أخيراً. لكن الموعد النهائي للمؤتمر لا يزال غير محسوم.
وبينما أكد رئيس وفد قوى الثورة العسكري إلى مفاوضات أستانة أحمد الطعمة، لـ"العربي الجديد"، أنّ الاجتماع أُجّل من موعده المفترض في 14 مارس/ آذار الحالي إلى الشهر المقبل من دون الخوض في أسباب التأجيل، أشار القيادي في "الجيش السوري الحرّ" مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ اجتماع قوى المعارضة السياسية والعسكرية في موعده، وأكد أنه "يأتي في سياق مواجهة التحديات القائمة".
وقالت مصادر مطلعة إنه "سيصدر بيان عن الاجتماع متضمناً مجموعة من القرارات على مستوى عال من الأهمية، سيتم إعلانها في نهاية الاجتماعات المغلقة"، مشيرةً إلى أنّ رئيس هيئة التفاوض نصر الحريري، ورئيس "الائتلاف الوطني السوري" عبد الرحمن مصطفى، ورئيس وفد قوى الثورة العسكرية إلى مفاوضات مسار أستانة أحمد طعمة، إضافة إلى شخصيات فاعلة في المعارضة والثورة السورية، ستحضر الاجتماع الذي وصفته بـ"المفصلي" في مسيرة الثورة السورية التي تكمل منتصف الشهر الجاري عامها الثامن.
وأوضحت المصادر، أنّ البيان الختامي للاجتماع سيتضمن موقفاً اتجاه "هيئة تحرير الشام"، التي لا تزال تشكّل مدخلاً واسعاً للنظام وحلفائه للفتك بالمدنيين والمعارضة السورية، بسبب رفضها حلّ نفسها لسحب ذرائع أيّ تدخل عسكري في شمال غربي سورية.
ومن المتوقّع أن تؤكّد المعارضة السورية مواقفها المعلنة، الرافضة لعودة النظام إلى شمال غربي سورية، الذي بات المعقل البارز لها في البلاد. كما من المنتظر أن تعلن المعارضة تمسّكها بحلّ سياسي للقضية السورية وفق قرارات الشرعية الدولية، بدءاً من بيان جنيف1، وصولاً إلى القرار الدولي 2254، التي تدعو جميعها إلى إقرار حلّ سياسي جدّي، يؤدي إلى تغيير عميق في بنية النظام، الذي لا يزال يصرّ على رفض تطبيق القرارات الدولية، ويحاول التضييق على المعارضة السورية في محافظة إدلب لفرض شروطه في أي مفاوضات مقبلة يمكن أن تدعو إليها الأمم المتحدة في سياق مفاوضات جنيف المتوقفة.