مؤخراً، انطلقت في العراق حملة شبابية تطوعية لتنظيف الأنهار، سرعان ما شهدت مشاركة واسعة من قبل فئات مختلفة تواصلت مع مسؤولي الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أثار إعجاب الأهالي الذين يرون في هذه الحملة أملاً في جيل المستقبل في وقت تعاني البلاد مشكلات عدة، أبرزها الوضع الاقتصادي المتردي.
ويواجه العراق أزمات بيئية يحذر منها خبراء في هذا المجال، من بينها تلوث الأنهار نتيجة الإهمال الحكومي وعدم اتخاذ تدابير لحماية مصادر المياه التي تشهد في الوقت نفسه تراجعاً حاداً في كمياتها نتيجة تخفيض دولتي المنبع (تركيا وإيران) كميات المياه أو منعها تماماً.
في هذا الإطار، انطلقت حملة "سفراء النظافة". ويقول أحد المسؤولين في الحملة أبو مهدي الموسوي لـ "العربي الجديد": "كلّ من يشارك في الحملة سفير نظافة، وليس بيننا من يترأس الحملة بل كلنا أخوة وأصدقاء". ويوضح أنّ "الحملة لا تقتصر على أشخاص محددين ولا يديرها شخص معين، بل هي حملة طوعية وطنية جماهيرية خالصة لا تنتمي لجهة أو حزب ما، ولا تقع تحت أي مسمى كان"، مشيراً إلى "تسيير متطلبات الحملة بجهود ذاتية من قبل المتطوعين، بالإضافة إلى دعم تقدمه الدوائر البلدية للحملة". ويلفت الموسوي إلى أنّ "هذا المشروع يبدأ من تنظيف حوض نهري دجلة والفرات وصولاً إلى كسوة الشوارع وصبغ الأرصفة وتشجير الأماكن المتصحرة وتعميد الشوارع الرئيسية بالإنارة". كما يسعى إلى "نشر روح المحبة والسلام وإشاعة البسمة، وترك بصمة جميلة تعكس ثقافة العراقيين ومحبتهم لوطنهم". ويؤكد أنّ "الحملة أخذت تستقطب متطوعين من مختلف المحافظات بمختلف انتماءاتهم ومذاهبهم"، ما يجعله يعتقد أنّ القادم أفضل، مشيراً إلى أنّ سفراء النظافة "غيّروا ووضعوا بصمة".
وأطلق القائمون على الحملة صفحة على موقع "فيسبوك" عرّفوا فيها عن أنفسهم وحملتهم باختصار، وأفادت بأنّ جميع من يشارك في الحملة مسؤول فيها. ولم يعلن القائمون عليها عن أسمائهم عبر الصفحة. ويقول القائمون على الحملة إنّها "منكم وإليكم. أنا وأنت ونحن جميعنا سفراء النظافة إذا حرصنا على نظافة هذا البلد". ويتعهد من ينضم للحملة أن يكون سفيراً للنظافة، وألّا يلقي النفايات إلّا في الأماكن المخصصة لذلك، وتوعية الآخرين حيال الأمر نفسه، والمساهمة بتنظيف الأماكن العامة.
ويقول مصطفى صالح، وهو طالب جامعي، لـ "العربي الجديد"، إنّه رأى منشورات عن الحملة على مواقع التواصل وسارع بالتواصل مع القائمين عليها وعلم أنّ المشاركة متاحة لمن يشاء. يضيف صالح أنّه شارك في ثلاث جولات للحملة حتى اليوم، وكانت جميعها على شواطئ نهر دجلة في بغداد، موضحاً أنّ ما دفعه للمشاركة هو "حب هذه الحملة التي وجدتها مخلصة وصادقة بالإضافة إلى حبي لبلدي والشعور بالألم الذي ينتابني حين أشاهد النفايات ومخلفات بناء وأنقاض مختلفة تنتشر على شواطئ أنهارنا وفي داخل مدننا". ويعرّف صالح عن نفسه بأنّه "سفير نظافة فوق العادة"، مضيفاً: "تعرفت على العديد من الشباب في الحملة. حبنا لبلدنا زاد من اندفاعنا للعمل أكثر".
ويتفاعل الناس إلى درجة كبيرة مع ما ينشره سفراء النظافة على مواقع التواصل، الأمر الذي يشجعهم على الاستمرار فيما تزداد أعداد المنضمين والراغبين بالالتحاق بالحملة، كما يؤكد أحد المشاركين فيها في محافظة الأنبار (غربي البلاد) محمد العيساوي. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ الحملة انتشرت بسرعة في جميع المحافظات في ظلّ تلوث النهر بالنفايات، الأمر الذي يضر بالكائنات الحية والإنسان والأنهار.
من جهتها، تقول المشرفة التربوية في وزارة التربية زبيدة العزام إنّ الحملة "اختصرت سنوات طويلة من التثقيف والتعليم بأهمية النظافة، وآلاف المحاضرات التي تهدف لتصحيح وضبط مسار الأجيال الذين يعانون منذ سنوات من هدم أخلاقي وتربوي فرضته الظروف التي مرت بها البلاد منذ أكثر من عقدين". تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد" أنّ "أزمة خطيرة تهدد المجتمع تتعلق بالقيم والأخلاق والآداب والسلوك العامة التي كانت تمثل لدى الأجيال السابقة نهجاً متوارثاً، كما كانت الجهات التربوية والتعليمية والتثقيفية في المؤسسات الحكومية تتبنى نشره وتعميقه في سلوك الأفراد والجماعات".
وتشير إلى أنّ "الأزمة الأخلاقية والسلوكية والقيمية التي تتحدث عنها سببها الظروف الأمنية والسياسية التي دفعت اقتصاد العراق إلى الهاوية، ما أثر بشكل مباشر على سلوك المجتمع الذي أخذت تنتشر فيه الجرائم المختلفة وتعاطي المخدرات".
وعليه، فإنّ "سفراء النظافة" التي تقول العزام إنّها اطلعت على تفاصيلها تمثل "تجربة ميدانية مهمة ودرساً توعوياً وتربوياً يختصر طريقاً طويلاً لتثقيف المجتمع وتوعيته بأهمية الحفاظ ليس فقط على نظافة الأنهار، بل المحافظة على البيئة من كلّ ما يضرها وبالتالي عودة المجتمع للالتزام بالقيم والأخلاقيات والسلوك الحسن".