عند التجوّل في المدينة العتيقة في العاصمة تونس، أو المدينة العربي، كما تُسمى في كل من مدن سوسة والقيروان والمنستير وبنزرت وبعض المناطق الساحلية، لا بد وأن تلفت أبواب البيوت مختلفة الأحجام والأشكال والألوان والزخرفة عيونَ المارة. فهي لا تشبه الأبواب في أي بلد آخر أو حتى تلك الحديثة، الأمر الذي جعل تونس تتميز بأبوابها.
وظلت تونس العتيقة التي تحتلّ قلب العاصمة محافظةً على تفاصيلها المعمارية التي أنشأتها الحضارات المتعاقبة؛ الرومانية والحفصية والإسلامية، خصوصاً المنازل القديمة التي توارثتها الأجيال، وباتت جزءاً من التراث الذي يتولى المعهد الوطني لحماية التراث الحفاظ عليه وترميمه سنوياً. ويشمل الترميم الشبابيك والأبواب.
تلوّن كلّ الأبواب في المدن العتيقة بالأزرق أو الأصفر أو البني أو الأخضر. شكل بعضها مستطيل والآخر مقوس من الأعلى، لكن جميعها ذات دفتين، وهي مزركشة بالمسامير الخشنة الداكنة المثبتة في أشكال هندسية جميلة في خشب الباب. بعض تلك الأبواب الكبيرة تمتاز بوجود باب آخر صغير في أحد الدفتين ينفتح داخله ويسمى باب الخوخة. تقول الروايات في تونس عن تلك الفتحة إنّ الأميرة الإسبانية التي تزوجها والي الأندلس عبد العزيز بن موسى بن نصير، لم تكن تحب تواضع زوجها مع الرعية، وعدم انحناء أي زائر للقصر خلال رؤية الوالي، فأمرت بإنشاء فتحة صغيرة في أحد دفتي الباب الكبير، ليضطر كل زائر لقصر الوالي إلى الانحناء عند الدخول. وقد اتبع التونسيون في ما بعد تلك الطريقة في بيوتهم اقتداء بالأميرة الأندلسية. فيما تقول روايات أخرى إنّ العائلات التونسية كانت محافظة، وكان الباب الكبير إذا فُتح يكشف جميع منافذ البيت وفسحته الداخلية، فابتكروا فتحة صغيرة في تلك الأبواب الكبيرة لتفتح لكل زائر، ولا تكشف من في البيت، وتسمى تلك الفتحة "خوخة".
ودائماً ما يكون الباب محاطاً بإطار من الرخام أو من حجارة كلسية ذات لون بني فاتح مزخرف بنقوش دقيقة تسمى "حلية" الواجهة. ويُزين الباب بمسامير تنقش رموزاً مختلفة تستخدم أيضاً في الحلي، وهي عبارة عن رموز أمازيغية، على غرار "الخمسة" و"الخلال" أو سمكة صغيرة أو أصابع اليد الخمسة، قصد إبعاد العين والحسد. كما أن غالبية أبواب تونس القديمة، وحتى بعض الحديثة منها، تكاد لا تخلو من تلك الرسومات. وتعلو كلّا من دفتي الباب قطعتان من الحديد تُستعمل لطرق الباب وتسمى "طقطوقة". ويفتح الباب الخارجي دائماً على قاعة صغيرة تسمى "السقيفة" يستقبل فيها الضيوف قبل دخولهم إلى البيت.
يشار إلى أن معظم الأبواب في البلاد كانت تصنع بذلك الشكل منذ مائة عام. وتلون أبواب المنازل غالباً باللون الأزرق أو الأصفر، فيما تلون أبواب مقامات الأولياء وأبواب المساجد باللونين الأخضر أو البني، وتكون أكبر حجماً وفي علو البناء، وتظل مفتوحة طوال اليوم لاستقبال الزوار.
يقول محمد الشرفي (55 عاماً)، أحد أصحاب محال النجارة في العاصمة تونس، إنّه يتولى إصلاح تلك الأبواب منذ أكثر من 20 عاماً. يضيف أن "معظم أصحاب البيوت القديمة يحافظون على بيوتهم كما هي، خصوصاً الباب الخارجي الذي يجب أن يُصلح من دون أن يتغير شكله. حتى أن المسامير الكبيرة تستبدل بأخرى جديدة للحفاظ على نفس الزخرفة وشكل الزينة"، مضيفاً أن "غالبية ورش النجارة اليوم لا يمكنها صنع تلك الأبواب بحجمها الكبير وبشكلها القديم، لذلك يتم التركيز على ترميمها". ويشير إلى أن العديد من الأبواب في المدن العتيقة ترمم بإشراف المعهد الوطني لحماية التراث، إذ تعدّ تراثاً لا يقل أهمية عن البيوت القديمة.
يتابع: "بعض أصحاب البيوت الحديثة حاولوا تقليد شكل الأبواب القديمة، إلا أنهم لم ينجحوا في إتقان طريقة الصنع والزينة عدا عن المتانة. حتى المسامير التي تستعمل اليوم لم تكن بمتانة تلك التي كانت تستخدم في الماضي".
ما زالت مداخل غالبية أزقة تلك المدينة تحافظ على نفس الأبواب التي يفوق عمر بعضها 150 سنة، والتي كانت تغلق ليلاَ فقط لحماية محلاّت التجار والحرفيين وحتى بيوت السكان. أما اليوم، فتبقى مفتوحة طوال السنة، وتقوم بإصلاحها بلدية مدينة تونس وكذلك بعض التجار وأصحاب المقاهي في المنطقة.
وخلال التجول في أزقة المدينة العربي، يمكن رؤية الزوار والسياح يلتقطون الصور أمام تلك الأبواب. حتى أنّ بعض الحرفيين يصنعون مجسمات صغيرة لتلك الأبواب بنفس الشكل والزخرفة والألوان، لتعلق في الجدران للزينة.
إلى ذلك، يقول سيف الدين وسلاتي، أحد تجار الصناعات التقليدية في المدينة العربي، إنّ معظم المحلات في تلك الأزقة تبيع مختلف أشكال الأبواب القديمة منذ سنوات. ويقبل عليها التونسيون، خصوصاً السياح، بشكل كبير، لأنّها تميّز تونس القديمة. وتباع بأشكال مختلفة لتزويق البيوت أو حتى المحلات.