تشهد موجات المهاجرين المنطلقة من السواحل الليبية نحو شواطئ أوروبا ارتفاعاً متزايداً لم يسجّل منذ أعوام، لأسباب مختلفة أبرزها الهدوء النسبي الذي تعيشه ليبيا منذ نحو عام.
وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة أنه تمّ اعتراض أو إنقاذ 20257 مهاجراً منذ بداية العام الجاري في البحر، ما يعادل تقريباً عدد إجمالي المهاجرين الذين تم إنقاذهم أو اعتراضهم خلال العام الماضي، وإعادتهم الى ليبيا. وأكد مسؤول في القوات البحرية الليبية، رفض الكشف عن اسمه، أن هناك ارتفاعاً "بنسبة مائة في المائة بين يناير/ كانون الثاني ويوليو/ تموز" في مغادرة المهاجرين غير القانونيين ليبيا، بالمقارنة مع الفترة نفسها العام الماضي.
ويرى الحقوقي والباحث في شؤون الهجرة، أنور الورفلي، أن هذا الارتفاع في أعداد المهاجرين غير النظاميين يعود لأسباب عدة، أبرزها الهدوء النسبي الذي تعيشه ليبيا، موضحاً: "يحمل تسجيل ليبيا طفرة غير مسبوقة في أعداد المهاجرين مؤشرات عديدة، أهمها توقف الحرب الأخيرة في غرب البلاد الذي مهد لحالة استقرار أمني، ولو نسبياً، وبالتالي شجّع المهربين مجدداً على العمل على إيهام المهاجرين بوجود فرصة مثالية لعبور المتوسط".
ويضيف الحقوقي الليبي "التدفقات الهائلة منطقية إلى حد كبير، فقد تسبّب الإغلاق العام في العالم العام الماضي بارتفاع أعداد المهاجرين (على الأراضي الليبية)، الذين كانوا ينتظرون الفرصة لركوب قوارب الهجرة مجدداً. وبالتالي الأرقام المسجلة هذا العام متوقعة إلى حد كبير".
ويرى الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، ميلود الحاج، بدوره، أن فكرة أن الاستقرار النسبي الذي تحظى ليبيا به حالياً يشكل أبرز أسباب ارتفاع تدفق المهاجرين عبر سواحل المتوسط، صحيحة إلى "حد كبير"، مشيراً إلى أن النزاعات المسلحة التي تساهم في إضعاف الأجهزة الأمنية يمكن أن تسهّل عبور المتسللين المهاجرين، إلا أنها في الوقت نفسه "ترهب المهاجرين" وتجعلهم يتريثون قبل بدء مغامرة شق البحر، خوفاً على حياتهم أو تعرضهم للخطف مثلاً على أيدي مسلحين طلباً لفدية مالية.
وتعدّ ليبيا نقطة عبور رئيسية لعشرات آلاف المهاجرين الذين يسعون كل عام إلى بلوغ أوروبا عبر السواحل الإيطالية التي تبعد حوالى 300 كلم من سواحل ليبيا.
وقضى نحو 60 مهاجراً قبالة ليبيا نهاية الشهر الماضي، في مأساة جديدة في البحر المتوسط، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. وقالت المنظمة في منتصف يوليو إن عدد المهاجرين الذين قضوا في البحر المتوسط خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا ازداد أكثر من الضعف هذا العام، وناهز الـ900.
ويواجه خفر السواحل الليبيون صعوبات كبيرة في تنفيذ عمليات البحث عن مهاجرين أو إنقاذهم مع عدد قطع بحرية محدود وبعضها متهالك. وغالباً ما تكون هذه العمليات محفوفة بالمخاطر ومرهقة. ويقول الضابط السابق في القوات البحرية، عبد الرحمن المحمودي، إن الأعباء التي تواجه ليبيا كبيرة، ويحتاج البلد إلى مساعدة دولية ضخمة تتماشى وتدفقات المهاجرين غير المحدودة. ويضيف "لنأخذ مثلاً دول جوار ليبيا، مثل إيطاليا ومالطا واليونان. هذه الدول بقدراتها البحرية الكبيرة المتطورة تعلن في مناسبات دولية متعددة أنها تعاني إزاء تدفق المهاجرين، فما هو بالتالي حجم الضغط على ليبيا بقدراتها المحدودة؟".
ويشير العسكري السابق إلى أن ليبيا بحاجة "لتعاون أكبر وأشمل مع دول المقصد في جنوب أوروبا التي يبحر المهاجرون إليها، لأن ظاهرة تنامي الهجرة غير النظامية تثقل كاهل ليبيا قبل أوروبا، وبالتالي يجب التعاون الحقيقي، وعدم جعل ليبيا حارساً لأوروبا، بالرغم من ظروفها الصعبة التي يعرفها الجميع".
وتمتلك البحرية الليبية عدداً متواضعاً من القطع البحرية والزوارق التي تنفذ من خلالها عمليات الإنقاذ قبالة سواحل البلاد. ومنذ سنوات، تموّل إيطاليا والاتحاد الأوروبي عمليات صيانة وتجهيز وتدريب لخفر السواحل الليبيين، لضمان أن يمنع هؤلاء المهاجرين من بلوغ أوروبا، لكن ليبيا تؤكد حاجتها إلى تطوير قدراتها البحرية على نطاق أوسع.
وتندد منظمات غير حكومية ووكالات أممية على الدوام بإعادة مهاجرين يتمّ اعتراضهم في البحر إلى ليبيا بالنظر إلى الظروف المزرية في مراكز إيوائهم، وتنتقد سوء المعاملة التي يتعرض لها المهاجرون.
وبموجب القانون البحري الدولي، يفترض أن ينقل المهاجرون الذين يتم إنقاذهم في البحر إلى مرفأ آمن. ولا تعتبر الأمم المتحدة ليبيا مكاناً آمناً. لكن السلطات الليبية تقول إنها لا تملك الإمكانات الكافية لنقلهم إلى مكان آخر.
(فرانس برس)