يطرح رئيس بلدية منطقة بريولو غارغالو الإيطالية جيوزيبي جياني مقاربة مختلفة للتعامل مع ملف المهاجرين السريين، أكثر إنسانية، في ظل حاجة الدول الأوروبية إلى هؤلاء، تقوم على تكوين ممرات هجرة شرعية عبر صقلية
يدعو رئيس بلدية منطقة بريولو غارغالو، الواقعة في جزيرة صقلية، جنوبي إيطاليا، والتي تعد قبلة المهاجرين السريين، جيوزيبي جياني، إلى اعتماد مقاربة إنسانية وواقعية في ملف المهاجرين، مشدداً على حاجة أوروبا إليهم، وهو ما أثبتته فعلياً أزمة كورونا مرة أخرى.
ويطرح جياني اعتماد مشروع جديد يساهم في الحد من الهجرة السرية. وجياني سياسي مخضرم بدأ العمل السياسي منذ ثمانينيات القرن الماضي، ودخل في صراعات كبرى مع الأوساط السياسية في إيطاليا. تقلد مناصب عدة في بريولو غارغالو، منها نائب في البرلمان عن المنطقة، قبل أن يعاد انتخابه مرة أخرى رئيساً لبلديتها نفسها بعد 29 عاماً من انتخابه أول مرة، وهو المنصب الذي يشغله الآن.
يقول جياني لـ"العربي الجديد"، إنّه حين كان عضواً في مجلس الشيوخ في الإقليم الصقلي، قدم اقتراح قانون لاستقطاب وتكوين ممرات هجرة شرعية عبر صقلية، لتكون مركز تأهيل وتدريب للمهاجرين لتستفيد منهم الأقطار الأوروبية كافة. ويكشف أنّ المبادرة التي يعيد طرحها الآن كان قد طرحها قبل سنوات خلال اجتماعات عمومية عدة، كان آخرها في مدينة مازارا دل فالو الواقعة في أقصى غرب جزيرة صقلية، أمام العديد من الوزراء الأفارقة. والهدف جعل صقلية همزة وصل بين أوروبا وأفريقيا، عبر المؤسسة الإقليمية "كوبام" التي تضم ثلاثين دولة من حوض البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا. وبالتالي، يمكن تفعيل العمل مع الدول الأفريقية لجلب مهاجرين (500 مهاجر مثلاً من كل دولة)، لتفادي ركوب البحر وحماية النساء من العنف والاغتصاب.
يضيف: "بهذه الطريقة، سيتسنى استقبالهم في مساكن وتأهيلهم بحسب متطلبات سوق العمل الأوروبية"، موضحاً أنّ كلّ دول أوروبا تعاني من نقص في بعض التخصصات أو غيرها من الأعمال التي يمكن لهؤلاء المهاجرين سدّها. كذلك، يمكن لأهالي صقلية الالتحاق بهذه المراكز إذا أرادو العمل في دول أوروبية أخرى. هكذا، تتولى صقلية دور مكتب تشغيل لكامل أوروبا، وينعم المهاجر الذي يصل إلى هنا شرعياً بسكن وتأهيل وتعليم وفرصة عمل.
في ما يتعلق بمواقف الدول الأوروبية من مبادرات كهذه، يوضح جياني أنّ "لا أحد ممن يهتمون بالهجرة قام بعمل جاد في هذا الاتجاه، إذ ليس من الجدية أن نتركك تأتي في قوارب الموت ثم نتركك في الشوارع تمدّ يدك لطلب المساعدات. وفي معظم الأحوال، ندفع 20 يورو يومياً للمؤسسات لتعتني بك، لأنّ في ذلك إهداراً للمال العام. في المقابل، فإنّ مبادرتي تأتي بطريقة شرعية، أي أن نستقبل المهاجرين، ونؤهلهم، ثم نجد لهم مكان عمل في مجال تخصصهم، وهي مبادرة واقعية وبسيطة تجعل من أوروبا قارة عظمى".
ويلفت جياني إلى أنّ هناك جانباً مهماً آخر في مبادرته. يقول: "يتوجب على أوروبا أن تفرض على كلّ مستثمر أوروبي في أفريقيا، يستغل معادنها الثمينة وثرواتها، أن يدفع عشرة في المائة من حجم الاستثمار هبة للبلدان الأفريقية، تقدم في شكل تجهيزات وبنى تحتية، ومياه، وأدوات صحية، ومدارس، ومستشفيات. ولا يجب إعطاء أموال للحكومات بل بناء وتشييد بنى تحتية". يضيف أنّه توجد في صقلية معسكرات أميركية مهجورة، يمكن استغلالها لاستقبال المهاجرين الشرعيين وليس لإقصائهم كما هي الحال اليوم".
يتابع: "فهمنا في جائحة كورونا أنّه من دون المهاجرين لا يمكن للزراعة أن تزدهر ولا يمكن للطعام أن يصلنا. يجب أن نعاملهم كبشر وليس آلات يتم استغلالها". وتعكس تصريحات جياني حقيقة الأرقام بخصوص الوضع الديموغرافي في إيطاليا ونسبة المهاجرين فيه ومساهمتهم في الحركة الاقتصادية عموماً.
وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ 34154 مهاجراً وصلوا إلى إيطاليا عن طريق البحر خلال عام 2020، على الرغم من حالة الطوارئ الناجمة عن فيروس كورونا، ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بعدد الوافدين عام 2019، والذي بلغ 11.471 وافداً.
وتلقت إيطاليا خلال العام الماضي 26.551 طلب لجوء، ما يمثل انخفاضاً حاداً بالمقارنة مع العام السابق له، ودرست خلال الفترة الممتدة من بداية العام 2020 وحتى سبتمبر/ أيلول 2020 نحو 29.547 طلباً للحماية، وتم الاعتراف بوضع اللاجئ أو بوضع الحماية الفرعية لـ21 في المائة منهم فقط.
وتشير أرقام مكتب الإحصائيات الإيطالي إلى أنّ إجمالي عدد السكان انخفض في 2019 بمقدار 189 ألف نسمة، ليصل إلى 60 مليوناً و250 ألف نسمة. ويعتبر هذا الانخفاض مستمراً منذ خمس سنوات على التوالي، ما يعني أنّه منذ عام 2014، فقدت إيطاليا 551 ألف نسمة من سكانها، ما يعادل تقريباً سكان مدينة جنوى، سادس أكبر مدينة في إيطاليا، بالإضافة إلى كلّ الأرقام المنشورة التي تتحدث عن تراجع الإنجاب وشيخوخة المجتمع، ما يعني حاجة البلاد إلى المهاجرين، خصوصاً فئة الشباب.
ويشدد جياني على أنّ اعتماد مبادرته يعني أنّ "كل المافيات التي تستغل هؤلاء المساكين لن تجد من تستغل بعد اليوم، لأنّ الهجرة ستكون شرعية ومقننة، ولن تكون هناك فرص استغلال واستعباد للناس أو اغتصاب للنساء. كذلك، ستتراجع نسبة الوفيات في البحر المتوسط. لذلك، علينا أن نستبق الأحداث ونضع حداً لموت المهاجرين في البحر. أعرف جيداً أنّ هناك جهات تكره كلامي، وأعني هؤلاء الذين يستغلون ظروف الهجرة السرية لكسب الأرباح".