تجاوزت أعداد الواصلين إلى ألمانيا 300 ألف لاجئ ومهاجر بحلول نهاية عام 2023، مع أكثر من مليون أوكراني وصلوا خلال العامين الماضيين، ما دعا الحكومة إلى فرض إجراءات جديدة لتقليص الأعداد.
يدور جدل ساخن في ألمانيا حول سياسات اللجوء مع التزايد الحاد في أعداد طالبيه، والذي تسبب في نقص كبير في مراكز الإيواء، وصعوبة تأمين مقاعد دراسية للأطفال، فضلاً عن صعوبة اجتياز دورات اللغة لتحقيق الاندماج، والعبء الكبير على مقدمي الخدمات الاستشارية.
ودعا المدير العام لاتحاد المدن والبلديات الألمانية أندريه بيرغهيغير، في مؤتمر صحافي في برلين، قبل أيام، إلى تغيير سياسات الهجرة، قائلاً إنه "ليس من الممكن قبول عدد غير محدود من الأشخاص، وينبغي العمل على تنظيم تدفق اللاجئين، وتقليل الأعداد، واتباع مسارات جديدة مستدامة، وتوقف صراع المسؤولية بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات".
وأمام هذه التحذيرات، تذهب توجهات الحكومة إلى اعتماد منح بطاقات شراء السلع العينية لطالب اللجوء بدلاً من الأموال، ما يحد من فرص طالبي اللجوء لتحويل الأموال إلى بلدانهم الاصلية، إضافة إلى التوسع في عمليات الترحيل، والاتفاق مع الولايات على سلسلة من الإجراءات للتشدد في سياسة اللجوء، إذ لن يتمكن طالب اللجوء من الحصول على المزايا الاجتماعية المنتظمة إلا بعد ثلاث سنوات بعد أن كانت 18 شهراً، على أن تؤخذ في الاعتبار أيضاً خدمات مراكز الاستقبال الأولية الحكومية.
ومع بداية تطبيق هذا المشروع التجريبي في ولايتي سكسونيا السفلى وهامبورغ، قالت مسؤولة شؤون اللاجئين والهجرة في حزب اليسار كارولا أنسلن، في حديث مع "هامبورغرابند بلات"، إنه ليس هناك اعتراض على التحول الرقمي بحد ذاته، لكن يجب أن تظل الأموال الموجودة على بطاقة الدفع متاحة، مضيفة أن "محاولة السيطرة على اللاجئين وتقييد استخدامهم أرصدتهم توجه مقلق. أرفض الوهم القائل بأن هذه المبالغ البسيطة تمثل عامل جذب للاجئين، ويهدف ذلك فقط إلى الشعبوية، فأي شخص يشكك في الكرامة الإنسانية للاجئين هو يشكك أيضاً في ديمقراطيتنا".
ويعتبر الخبير في المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة نيكلاس هاردر أن هذا المشروع التجريبي القائم على مبدأ المنفعة العينية جرت تجربته في التسعينيات، ثم في عام 2015، وأثبت مراراً أنه غير عملي، وسيكون أكثر تعقيداً على الولايات من دفع الأموال، فالفارق الرئيسي عن بطاقة الائتمان العادية هو عدم وجود حد ائتماني، بينما من المفترض أن تكون البطاقة قائمة على الرصيد.
في المقابل، أكدت هيئات الرعاية الاجتماعية الحكومية أن العديد من الولايات تقوم بدراسة مقترحات الحد من المدفوعات النقدية بطريقة معقولة. ويعتبر المؤيدون للمشروع أن بطاقة الإعانات العينية تخدم اللاجئين الذين ليس لديهم حساب مصرفي، كما تخفف الأعباء عن المكاتب المعنية، وبحسب وزارة المالية، فإن ذلك قد يساهم في توفير نحو مليار يورو.
وتبنى الحزب المسيحي الديمقراطي، في مسودة برنامجه للانتخابات البرلمانية العامة 2025، خطاب اليمين المتطرف من اجل استمالة ناخبين من حزب البديل من أجل ألمانيا. وضم البرنامج تحذيرات للاجئين والمهاجرين، وخصوصاً المسلمين، من بينها أن "كل من يريد العيش هنا، عليه أن يعترف بثقافتنا الطاغية، ويلتزم بها من دون أي اعتراضات. أولئك فقط يمكنهم أن يندمجوا ويصبحوا ألماناً"، في ابتعاد واضح عما أعلنته المستشارة السابقة أنجيلا ميركل في عام 2018، حين قالت إن المسلمين ينتمون إلى ألمانيا.
وإزاء ذلك، انتقد رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أيمن مزيك، في حديث لمجلة "شتيرن"، التحول في سياسة الحزب المسيحي الديمقراطي، مبرزاً أن سعي الحزب لاستقطاب مؤيدي اليمين المتطرف لن يؤتي ثماره، وسيبوء بالفشل لأن أنصار اليمين المتطرف ملتزمون بطروحاته.
ويعارض الحزب المسيحي الديمقراطي أيضاً تعديل قانون الجنسية بالصيغة الجديدة، وتقليص فترة التجنس من 8 إلى خمس سنوات، والذي قد يسمح لنحو مليونين ونصف مليون لاجئ ومهاجر بالحصول على جواز السفر الألماني، ما يخشى معه فتح الطريق أمام إنشاء حزب إسلامي في ألمانيا.
ويعتبر السياسي عن المسيحي الديمقراطي ألكسندر ثروم، في حديث مع صحيفة "بيلد"، أن "القانون لن يغير التركيبة السكانية بشكل كبير وحسب، بل سيغير بنية الناخبين أيضاً. بملايين الناخبين من المسلمين، سيكون من السهولة الحصول على نسبة 5 في المائة من الأصوات المحددة قانوناً في الانتخابات الفيدرالية، وإيصال نواب إلى البوندستاغ".
وأعطى كل ذلك أحزاب المعارضة حافزاً إضافياً إلى المطالبة باستقبال المهاجرين من أصحاب المهارات الخاصة فقط، والعمل على الحد من تمدد الإسلام في البلاد. وبينت التقارير أن الاعتداءات على المسلمين زادت خلال الأشهر الأخيرة من عام 2023، إذ سجلت أكثر من 150 واقعة اعتداء وعنف وتهديد وتمييز ضد مسلمين.
وضاعف حزب البديل اليميني المتطرف أرقامه في استطلاعات الرأي، وهو يحل ثانياً بنسبة 23 في المائة خلف "الاتحاد المسيحي"، أكبر أحزاب المعارضة، مع تراجع كبير لأحزاب الائتلاف الحاكم. ويواصل حزب البديل اليميني لهجته الحادة ضد اللاجئين، مشيراً إلى أن الاتفاقات بين الولايات والحكومة الفيدرالية لن تؤدي إلى خفض أعداد المهاجرين، وكل ما يتم ليس سوى تغطية فوضى اللجوء بمزيد من أموال دافعي الضرائب، وهذا بحد ذاته حافز للمهاجرين، بينما الأهم هو زيادة عمليات الترحيل، وإصلاح قانون اللجوء والإقامة والمواطنة، وشطب حوافز الهجرة في السياسات المالية والاجتماعية.