رغم صعوبة الأوضاع المعيشية في مناطق الشمال السوري، إلا أن قسماً من الأهالي يفضلون إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة بسبب تردي التعليم العام منذ تراجع دعم المنظمات الدولية.
اختارت السورية رشا المحمد تعليم أبنائها الأربعة في المدارس الخاصة، وتقول، من مدينة تفتناز شرقي إدلب، لـ"العربي الجديد": "تجربتي مع التعليم العام خلال السنوات الماضية أثبتت عدم جدواه لعدم استقرار دعم المنظمات للمعلمين، واضطررت قبل ثلاث سنوات إلى نقل أولادي إلى مدارس خاصة بعد الاطلاع على ما تقدمه من اهتمام ومتابعة، وغلاء التكلفة جعلني أقرر الاستغناء عن كثير من الكماليات، وحتى بعض الضروريات، ليحصل أطفالي على تعليم جيد ومستقر، وبالفعل، حصل أحد أبنائي على نتيجة ممتاز في الشهادة الإعداية هذه السنة".
ويؤكد مدير مدرسة الحكمة الخاصة في مدينة الدانا أحمد نجار، لـ"العربي الجديد"، أن "رغبة الأهالي في إلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة نابعة من حب التعليم في مجتمعنا، فقد استغنوا عن أمور كثيرة لتوفير تكلفة تعليم الأبناء. المدارس العامة تعاني من التراجع واكتظاظ الصفوف، وقد أجبرت على هذا بسبب تخاذل منظمات المجتمع المدني عن دعمها، في حين أن المدارس الخاصة تضم أعداداً نموذجية لا تتجاوز 25 طالباً في الصف، كما تملك ملاعب وتدفئة مركزية".
وتابع نجار أن "الأقساط في المدارس الخاصة تخضع لرقابة مديرية التربية، وقبل تحديد قيمة الأقساط، تحسب كل مدرسة التكلفة التي تشمل النقل والتدفئة والقرطاسية والرواتب وغيرها، ونأخد بعين الاعتبار أن معظم الطلاب لديهم شقيق أو أكثر، وللتخفيف عن الأهل، نحسم 15 في المائة من قيمة القسط للأخوة مهما كان عددهم، و25 في المائة لأبناء المدرسين، و50 في المائة للتلاميذ الأيتام".
وأضاف أن "المدارس الخاصة لا تحتاج إلى أي دعم من المنظمات، وأي مدرسة تقبل الدعم تنتفي عنها صفة المدرسة الخاصة، وعلى المنظمات دعم التعليم العام فقط لأن أقساط الطلاب تكفي تكاليف تشغيل المدارس الخاصة، وغالبيتها تحقق أرباحاً".
وأشار مدير "مدرسة الحكمة" إلى أن "البعض يتهم المدارس الخاصة بتشجيع معلمي المدارس العامة على عدم العمل لإجبار الطلاب على مغادرتها، وهذه تهمة باطلة، والمعلم لا يمكنه فعل هذا لأنه في الأصل صاحب رسالة، وأتوقع أنه سيتم قريباً الفصل بين معلمي الخاص والعام، ومنع ازدواجية العمل، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح، وسيكون من أهم نتائجها توفير فرص عمل للجميع".
تدعم منظمة "بنفسج" مدرسة "مصطفى عموري" العامة في مدينة بنش، ويؤكد مديرها مصطفى سميسم، لـ"العربي الجديد"، أن "الانتقال من المدارس العامة إلى الخاصة لا يمكن اعتباره تسرباً، لأن المدارس الخاصة مرخصة، وتعمل تحت إشراف مديرية التربية، ولجوء الأهالي إلى المدارس الخاصة ناتج عن رغبة في تلقي أطفالهم تعليماً جيداً ومستمراً. هناك فروقات بين التعليم المقدم للطلاب في المدارس العامة والمدارس الخاصة، ومع توقف الدعم الكلي أو الجزئي عن عدد كبير من المدارس العامة، تراجع مستواها".
وتابع سميسم: "حصل طالب في مدرستنا هذه السنة على الدرجات الكاملة، كما حصل 6 طلاب على مجموع ينقص عن المجموع التام علامة أو اثنتين، و5 طلاب آخرين مجموعهم فوق 270 من 280، وهذا يظهر أفضلية المدارس العامة، والتي تحرص على وجود كادر تدريسي متميز وملتزم. لكن المشكله الأساسية هي ضعف الرواتب، إذ يتراوح راتب المعلم ما بين 150 و155 دولارا".
لمى ونهى طالبتان متفوقتان من مدينة إدلب، قالت والدتهما ريم محمود، لـ"العربي الجديد": "أهالي الشمال السوري يعتمدون حالياً على المدارس الخاصة أكثر من المدارس العامة، وذلك لإدراكهم أهمية التعليم الجيد، على الرغم من المبالغ الكبيرة التي نضطر إلى دفعها سنوياً، وتعاون المدارس الخاصة عبر تقسيط التكلفة يسهل الدفع، والنتائج الجيدة التي يحصل عليها الأبناء تخفف عن الأهل معاناتهم". تضيف أنه "من أصل 280، حصلت ابنتي نهى على مجموع 278، وحصلت لمى على مجموع 271 في الشهادة الإعدادية، وقررت إدارة المدرسة منحنا حسماً وتقسيطاً للمبالغ المطلوبة في الشهادة الثانوية، والتي كانت تبلغ 220 دولارا قبل الحسم، وباتت 185 دولاراً بعد الحسم، وشقيقهما محمد في الصف التاسع، وتكلفة دراسته 180 دولاراً، وندفعها 35 دولارا كل شهر، ولا يوجد حسم للأيتام لوجود عدد كبير من الأيتام في المدرسة".
من جانبه، يؤكد مدير التعليم الخاص في مديرية تربية إدلب جهاد حاج حسين، لـ"العربي الجديد"، أن من أهم شروط الموافقة على فتح مدرسة خاصة مساحة الغرف الصفية، والباحات، فضلا عن شروط تتعلق بصاحب الترخيص، وتعيين الكوادر عبر مسابقة، والخطة الدراسية، وتحديد القدرة الاستيعابية، مضيفاً أن "عدد مؤسسات التعليم الخاص المرخصة بلغ 61 روضة، و53 مدرسة ابتدائية، و39 مدرسة إعدادية، و12 مدرسة ثانوية، إضافة إلى 15 مركزاً لغوياً".
وتابع أنه "توجد رقابة من وزارة التربية والتعليم على المدارس الخاصة، وتتضمن عقوبات للمخالفين، تبدأ من الإنذار والغرامات المالية، وتتدرج إلى الإغلاق المؤقت، والإغلاق الكامل، وإلغاء الترخيص، كما أن ما ينطبق على التعليم العام ينطبق على التعليم الخاص في التعيين والنقل والإجازات وكافة الحقوق والواجبات".