حرّك تصريح زعيم حزب "الظفر" التركي المعارض أوميت أوزداغ في شأن حصول 900 ألف سوري على الجنسية، وطرحه سؤال "ألا تدرك تركيا الخطر الذي تواجهه؟" جمر خطاب الكراهية الذي كانت تأججت ناره أخيراً عبر جرائم حرق ثلاث سوريين في ولاية إزمير، وطعن رابع في مدينة إسطنبول.
ويدأب أوزداغ الداغستاني الأصل والذي كان والده لجأ إلى تركيا، على رمي ورقة السوريين في الشارع التركي، وتحميل لاجئيهم وزر تردي معيشة الأتراك وارتفاع نسب الفقر والبطالة، ما يزيد احتقان الشارع على اللاجئين، علماً أن شرطة إزمير لم تتردد في ملاحقته بتهمة ارتكاب جريمة تحريض حين زار محل مجوهرات يملكه سوري في الولاية، وحقق معه من دون أي مبرر قانوني أو صفة رسمية. وتضمنت الشكوى الجنائية التي رفعتها الشرطة إلى مكتب المدعي العام اتهام أوزداغ بـ "التحريض على الكراهية والعداوة، وإساءة استخدام النفوذ، وانتهاك الخصوصية". أيضاً أعلنت المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية، عزمها على تقديم شـكوى جنائية ضد أوزداغ بتهمة "تقديم أرقام وهمية في شأن عدد السوريين المجنسين"، علماً أن وسائل إعلام تركية تصفه بأنه "عنصري حاقد".
لاجئون ضد لاجئين
في المقابل، يؤكد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، محمد كامل ديمير، أن عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية، بلغوا وفق آخر تصريح لوزير الداخلية، سليمان صويلو مؤخراً 193,293 بينهم 84 ألف طفل، "لذا لا صحة للرقم الذي طرحه أوزداغ ربما لمحاولة كسب الشارع، ودفعه إلى معاداة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وسياسة تركيا الخاصة باستقبال اللاجئين ومنح بعض من تراهم مفيدين الجنسية بعد عقد من إقامتهم في البلاد".
ويعلّق ديمير على الواقع الغريب المتمثل في قيادة لاجئين أهم حملات العنصرية في تركيا، بالقول لـ"العربي الجديد": "من الملفت حقاً قيادة أوزداغ والنائب المعارض لطفي توركان أهم حملات التحريض على اللاجئين، في حين أنهما لاجئان نفسيهما، علماً أن تركان قدم من مقدونيا حين لجأ أهله إلى تركيا خلال حرب يوغسلافيا في خمسينات القرن العشرين". يضيف: "يفترض أن يكون أوزداغ ولطفي بين الأكثر تقديراً لظروف اللاجئين".
ويشير مدير مركز الدراسات إلى أن تركيا تستقبل حتى اليوم 3 ملايين و688 ألف سوري، وقد منحت الجنسية إلى نحو 193,293 سوري، بزيادة نحو 20 ألفاً خلال الشهرين الأخيرين، عن العدد المعلن نهاية العام الماضي والبالغ 174,726 بعضهم كانت ملفات جنسياتهم متوقفة عند المرحلة الرابعة "الأمنية". من هنا لا يستبعد أن تتضمن إحصاءات الربع الأول من العام الحالي أعداداً إضافية من حملة الجنسية التركية.
ويشير الباحث أوزجان أويصال، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الإحصاء الأخير الذي أجرته وزارة الداخلية يؤكد أن عدد السوريين المجنسين لا يتجاوز 175 ألفاً. لكنه يستدرك بأن "عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية لم يتجاوز 92 ألفاً حتى منتصف عام 2019 أكثر من نصفهم من الأطفال، ما يعني أننا أمام رقم شبه مضاعف اليوم في إطار إجراءات استثنائية، لأن السوريين المتواجدين في تركيا يخضعون لقانون الحماية المؤقتة، ولا يحق لهم مقاضاة الدولة للحصول على الجنسية بعد مرور 5 سنوات".
أيضا، يحذر أويصال من محاولات تحوّيل المعارضين اللاجئين السوريين من أخوة إلى أعداء أو حتى محتلين. ويرى أن "تغييب الحقيقة" هي العامل الأهم في إعلان البعض أرقاماً مبالغة عن تجنيس السوريين، وزعم حصولهم على مساعدات واستثناءات.
"لا قاعدة ثابتة"
وتكشف المعلمة السورية التي نالت الجنسية التركية منار عبود أن المعلمين السوريين هم الأكثر حصولاً على الجنسية بنسبة أكثر من 70 في المائة، لأن المساعدات الأوروبية حتمت التدقيق في صحة شهاداتهم وانعدام التزوير فيها، كما استفادت المدارس التركية من منهم في العمل كمترجمين ومساعدين ومدرسين لمواد اللغة العربية والإسلامية. وهم عملوا كمتطوعين في السنوات الأولى لدخولهم البلاد، ما شكل سبباً إضافياً لتجنيسهم".
لكن عبود تلفت إلى أن "لا قاعدة ثابتة، فبعض المعلمين لم يحصلوا على الجنسية حتى اليوم، وجرى رفض طلبات بعضهم العام الماضي".
ويقول خالد الأسعد الذي انضم إلى قائمة المعلمين الذين أبعدوا عن التجنيس: "قدمت أوراقاً وشهادات نظامية، وأنا أتواجد في تركيا منذ أكثر من 8 أعوام. وقد اعترضت على قرار الرفض، وحاولت استيضاح سببه، لكنني لم أحصل على جواب، بل بمجرد وعد بإعادة فتح الملف بعد التأكد من الأوراق المقدمة".
كذلك، يتحدث الباحث سمير عبد الله الذي حصل على الجنسية التركية لـ"العربي الجديد" عن أن "الحكومة التركية لم تعتمد قاعدة ثابتة في منح السوريين الجنسية، رغم أن الطلاب الجامعيين تصدروا القائمة، وتلاهم المعلمون والأطباء بنسبة نحو 50 في المائة، ثم أصحاب الشهادات العليا، في حين رفضت طلبات غالبية العمال، كما لا يزال حملة شهادات عليا غير مجنسين".
وحول واقع سكن غالبية السوريين الذين حصلوا على جنسية من السوريين في الولايات الحدودية، يقول عبد الله: "يصح القول إن السوريين الذين أقاموا في ولايات هاتاي وأورفا وكلس كانوا الأكثر حظاً في نيل الجنسية، لكن لا يمكن التحدث عن قاعدة ثابتة على صعيد الجغرافيا أو طبيعة العمل أو غيرها، في حين لا يستبعد تأثر ملفات بتأخير موظفي دائرة الهجرة تسجيل بيانات سوريين وشهاداتهم العليا خلال تحديث البيانات الشخصية، وأيضاً باستبعاد موظفي وزارة الشؤون الاجتماعية تصاريح عمل أو إقامات، علماً أن إجراءات التسجيل أكثر سهولة في ولاية أورفا من ولاية إسطنبول مثلاً، حيث تستغرق إجراءات الترشح للجنسية أكثر من عامين، حتى إذا كان صاحب الطلب يحمل شهادة عليا ويقيم في شكل دائم منذ 9 سنوات".
يروي السوري عدنان فاضل لـ"العربي الجديد" قصة حصوله على الجنسية، ويوضح أن رسالة وردت إلى هاتفه الخلوي عام 2019 أبلغته بأن اسمه أدرج في ملف التجنيس، فزار مع أسرته مقر دائرة الهجرة وقدم الأوراق المطلوبة. وسئل حينها عن تركيا ورأيه في الواقع الاجتماعي وأمور، وهل يريد تغيير اسمه. ويشير إلى أن أدخل في برنامج إدارة الهجرة وانتقل إلى المراحل التالي، ولم يدم الأمر أكثر من عام حتى حصل على الجنسية. واعتبر أن عمله كطباخ في مدرسة حكومية تركية سابقاً، وحصوله على أذن عمل شكلا السببين الأكثر أهمية لحصوله على الجنسية، خصوصاً أنه غير مستثمر ولا يحمل شهادة عليا.
مكاسب وخسائر
وحول مكاسب الجنسية وخسائرها، يعتبر فاضل أن "الخسارة الأكبر تتمثل في إلغاء الهجرة وطلب اللجوء، فأي سفارة أو جهة تطلب لاجئين سوريين ترفضني فوراً لأنني حاصل على جنسية. وإذا جازفت وهاجرت بحراً ستلاحقني المشكلة خلال لمّ شمل الأسرة، لأن زوجتي وأولادي باتوا أتراكاً. كذلك هناك خسائر مالية بسيطة تتمثل في عدم حصولنا على معونة قيمتها 120 ليرة تركية (9 دولارات) للشخص الواحد شهرياً، ومساعدات الفحم وبطاقة الهلال الأحمر، وأخرى أوروبية تمنح للاجئين السوريين في تركيا".
يضيف: "أما الفوائد فأكثر من أن تحصى، منها الطمأنينة والعامل النفسي، إذ لا يتعرض صاحب الجنسية لمضايقات أو تمييز في المعاملة، وبات يملك وطناً بديلاً رغم أن هذا الأمر مؤلم. والجنسية تفتح باباً وحياة جديدة، خصوصاً للأولاد على صعيد دراستهم ومستقبلهم".
من جهته، يوضح الباحث عبد الله أنه خسر عمله بالجامعة بمجرد حصوله على الجنسية، "لأن الجامعة تعاقدت معي كمدرس سوري، وبعدما بت تركياً حصل خلل في شروط التعاقد، وهو ما تكرر مع أساتذة آخرين في جامعة ماردين. لكن فوائد الجنسية كثيرة منها الخلاص من محاولات الإذلال والابتزاز، خلال استصدار جواز سفر في القنصلية السورية، واختصار العذاب والنفقات خلال تجديد الإقامة السياحية. وأنا أملك اليوم جواز سفر يسمح بانتقالي إلى أكثر من 70 دولة حول العالم من دون تأشيرة".
ويتابع: "حلت الجنسية أيضاً مشكلة حرمان السوريين من حق التملك في تركيا، وسمحت بالحصول على قرض مصرفي ميّسر بضمانة العقار فقط".
حالات رفض
لكن اللافت أن أسراً سورية "فقيرة" رفضت الجنسية، كما تروي عائشة حسين المتحدرة من محافظة إدلب وتقيم بولاية هاتاي لـ"العربي الجديد"، وتقول: "اعتذرنا حين جاءتنا الرسالة، لأننا سنخسر مساعدات الهلال الأحمر والفحم وأجر زوجي المصاب. وقد سألت عن ميزات الجنسية فاستنتجت أنها ستجعلني أخسر معونات أوروبية وتركية تمنح لعائلتنا التي تتطلع إلى العودة إلى سورية مع شكرنا الجزيل لتركيا".
لصالح "العدالة والتنمية" وحليفه
ويرى المحلل التركي هشام جوناي أن الحكومة لا تتعامل بشفافية مع ملف السوريين عموماً وموضوع الجنسية، ما زاد الحملات ضدهم على صعيدي المعونات والجنسية.
ويتحدث لـ"العربي الجديد" عن أن "لا أرقام دقيقة حول أعداد اللاجئين المجنسين، سواء سوريين أو غيرهم، لكن لا يستبعد أنها بلغت مائة ألف لجميعهم. والمهم في الأمر أن هؤلاء المجنسين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات المقبلة لصالح حزب العدالة والتنمية أو حليفه حزب الحركة القومية. وهذا باعتقادي أهم سبب لاستخدام المعارضة هذه الورقة، ودعوة بعض الأحزاب إلى عدم إشراك المجنسين في الاقتراع، إلا بعد مضي عشر سنوات".
ويعتبر جوناي أنه "من الطبيعي أن يصوّت المجنسون لصالح الحكومة التي منحتهم الجنسية، وهم قد يتخوفون من الاقتراع لغيرها، في وقت يرون أن العدالة والتنمية يدعم استقرارهم ويشكل ضمانة لهم".
لكن أحد أعضاء حزب "العدالة والتنمية" الذي طلب عدم كشف اسمه، يقول إنه "حين فتح الحزب كدولة الحدود للسوريين لم يفكر بتجنيسهم أو بدورهم بالانتخابات، بل كان هدفه إنسانياً أولاً وأخيراً، وهو الحال حتى اليوم. ونحن نتعاطى مع السوريين بالمقياس نفسه، ونتمنى السلام لسورية كي يعود إخوتنا إلى وطنهم".
ويعتبر أن "عدد المجنسين الذين يحق لهم التصويت قليل جداً مقابل أكثر من 57 مليون ناخب تركي، علماً أن أحزاب المعارضة الكبيرة لم تتطرق لهذا الأمر كي لا تكشف خيبتها أمام الشارع، لكن أحزاباً صغيرة لا تحقق نسبة الدخول للبرلمان أصلاً، دفعت إلى إثارة موضوع أصوات المجنسين".
وندد سياسي "العدالة والتنمية" بالحملات العنصرية التي يطلقها البعض ضد السوريين، "فهم أخوة فقدوا كل شيء ولجأوا إلى تركيا، وساهموا بأدوار إيجابية كبيرة ومهمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وحركوا الأسواق ودعموا العلم والإبداع، ويكفيهم فخراً تفوقهم في الجامعات والمدارس التركية، وتأسيسهم شركات ومنشآت، رغم ظروفهم الخانقة وتضييق بعض المعارضين والتحريض عليهم".
إسقاط الجنسية
وتبقى مخاوف سوريين حصلوا على الجنسية قائمة، وبينها على صعيد التملك بعدما أثير قبل شهرين موضوع ضرورة كتابتهم ورقة تنازل عن الملكية في حال الوفاة، قبل أن تتراجع تركيا وتغيّر القانون. كما تشمل المخاوف إمكان سحب الجنسية، وهو ما يعد به معارضون، إذا لم يفز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات المقبلة.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، نفى القانوني وليد الكردي كل الادعاءات التي يطلقها البعض عن سحب جنسية السوريين، وقال: "لا يحق لأي حزب أو حكومة مقبلة سحب أو إسقاط الجنسية عن السوريين، إلا في حالات محددة تطاول الجميع حتى الأتراك نفسهم منذ عشرات السنوات، وبينها أداء حاملها خدمات لدولة أجنبية لا تتوافق مع مصالح تركيا، أو التطوع في الخدمة العسكرية لصالح حكومة دولة أجنبية بلا نيل إذن، كما ارتكاب جرائم تهدد أمن الدولة وخلّ بالنظام الدستوري وعمله، وذلك وفقاً لقانون العقوبات التركي رقم 5237 الصادر في 26 سبتمبر/ أيلول 2004".
وبدد بيان أصدرته الشركة العالمية للمعاملات القانونية والحقوقية مخاوف الحاصلين على الجنسية التركية، مشيراً إلى أن "كل ما يجري تناقله شائعات لا صحة لها، فتركيا دولة قوانين لا تسقط بالتقادم أو تلغى مع تغير نظام الحكم، ولا يمكن سحب الجنسية من أي شخص إلا بقرار رئاسي".