شكل إيواء اللاجئين الأفغان أحد أهم الملفات الاجتماعية التي افتخرت باكستان بتنفيذها منذ تسعينيات القرن العشرين. لكن حكومات متعاقبة استخدمت ملف الأفغان من أجل الحصول على مكاسب من خلال مساعدات ضخمة وفرها المجتمع الدولي خلال العقود الأربعة الماضية، كما أخضعت الحكومات الملف إلى العلاقات السياسية مع كابول وتغيّراتها، ما فرض تزايد الضغوط على اللاجئين لدى حصول أي توتر.
واللافت أن باكستان لم تغلق حدودها يوماً في وجه اللاجئين الأفغان، فهي مفتوحة بطريقة أو أخرى من خلال عدة معابر، من بينها مثلاً معبر "سبين بولدك" بين ولاية قندهار الأفغانية وإقليم بلوشستان الباكستاني، والذي يعبره الأفغان بشكل غير رسمي مقابل أموال مع عدم فرض أي إجراءات ملزمة، ومثله معبر "طورخم" الذي يستخدمه المرضى الأفغان بعد توثيق لجنة الأطباء الباكستانية التي يوجد ممثلون لها على الحدود حالاتهم. لكن جميع العابرين معرضون للاعتقال والضغط والاختفاء، لذا ينتقد مهتمون بقضية اللاجئين السياسة غير الواضحة لباكستان.
منذ الخامس من يونيو/ حزيران الماضي، بدأت أجهزة الأمن الباكستانية حملة اعتقالات وملاحقات غير مسبوقة ضد اللاجئين الأفغان في العاصمة إسلام آباد ومدن أخرى، وهي حملات مستمرة حتى الآن، وأعلنت السفارة الأفغانية في باكستان، في بيان سابق، أنها تملك معلومات عن اعتقال 250 لاجئاً أفغانياً، بينهم عدد كبير ممن يملكون أوراقاً ثبوتية وجوازات سفر، وحصلوا على تأشيرات لدخول باكستان من المعابر الشرعية. وطالبت الحكومة الباكستانية بالتعامل الحسن مع اللاجئين، ووقف اعتقالهم أو فرض ضغوط عليهم.
يقول اللاجئ الأفغاني محمد جواد لـ"العربي الجديد": "دهمت الشرطة الباكستانية منازل وفنادق، ونقلت جميع الأفغان الذين عثرت عليهم على متن باصين كبيرين، من دون توضيح طبيعة الإجراءات المتخذة في حقهم، وأيضاً من دون أن تدقق في الأوراق التي يحملونها. لا يعرف اللاجئون سبب الاعتقالات، خصوصاً أن عدداً كبيراً منهم يملكون أوراقاً ثبوتية، وسجلتهم الشرطة الباكستانية تنفيذاً لإجراءات الدخول عبر المطار أو عبر الحدود تمهيداً للانتقال إلى دولة ثالثة".
ويخبر جواد بأن الشرطة أوقفت بعض زملائه بعدما دهمت منازلهم حين كانوا نائمين، ويؤكد أن "بعضهم امتلكوا الأوراق الرسمية المطلوبة، لكن الشرطة لم تلتفت إليها حين اعتقلتهم. وقسم منهم كانوا ينتظرون الخروج من باكستان إلى دول أوروبية، ولا يعرف مصير هؤلاء المعتقلين حتى الآن. احتجزت الشرطة الباكستانية أيضاً عدداً من النساء والأطفال، في حين تجنب بعضهم هذا المصير عبر الهروب في منازل باكستانيين للتخلص من ملاحقة الشرطة".
بدورها، تقول اللاجئة الأفغانية في إسلام آباد، عابدة سليمان، لـ"العربي الجديد": "هدأت حملة دهم المنازل نسبياً بعدما ناقشت السفارة الأفغانية المسألة مع السلطات الباكستانية، لكن ملاحقة اللاجئين في الأسواق والأماكن العامة مستمرة، ما يجعل عدداً كبيراً منهم يخشون مغادرة المنازل. المشكلة أن الشرطة الباكستانية لا تكتفي بالملاحقات، بل تأخذ أموالاً من اللاجئين، والسفارات الأجنبية التي تسعى إلى إخراج الأفغان إلى دول غربية عبر باكستان، تعمل ببطء شديد، ما يعرّض اللاجئين لانتهاء فترة صلاحية التأشيرات التي يحملونها، وهذه ذريعة تستخدمها الشرطة الباكستانية من أجل اعتقالهم".
ويقول اللاجئ غلام حيدر، لـ"العربي الجديد": "نواجه المشاكل في أي مكان نذهب إليه. في أفغانستان لا يوجد عمل، أما في باكستان فالعمل موجود، لكن الشرطة لا تتركنا".
ليست العاصمة الباكستانية وحدها التي تشهد حملات أمنية ضد اللاجئين الأفغان بل كل المدن الرئيسية، ولفتت القنصلية الأفغانية في مدينة كراتشي، في بيان، إلى أن القنصل التقى بعدد كبير من اللاجئين في السجون الباكستانية، وأكد معظمهم أنهم اعتقلوا بدون أي مبرر، وأن الكثير منهم لديهم أوراق رسمية، مؤكدة أن حكومة أفغانستان لن تصمت حيال القضية.
وأعربت مفوضية اللاجئين في باكستان، في بيان، عن أسفها الشديد حيال وضع اللاجئين، مطالبة السلطات باحترام القوانين الدولية.
وغادر نحو 600 ألف أفغاني إلى باكستان بعد سيطرة حركة "طالبان" على الحكم في أغسطس/ آب 2021، ما رفع الإجمالي، بحسب وزارة الداخلية الباكستانية، إلى 3.7 ملايين، من بينهم مليون ونصف مليون شخص مسجلون لدى مفوضية للاجئين.
وأكدت منظمة العفو الدولية في بيان سابق، أن اللاجئين الأفغان في باكستان لا يحظون بالاهتمام الدولي الواجب، رغم أنهم غير قادرين على العودة إلى بلادهم، في حين يواجهون مضايقات كثيرة في باكستان.