يحتدم الجدال في الهند بين مؤيد ومعارض لسن قانون يجرم الاغتصاب الزوجي. وعلى الرغم من أن الهند سنت خلال الفترة الماضية العديد من التشريعات لتجريم الاغتصاب عموماً، إلا أنها لم تتطرق إلى موضوع الاغتصاب الزوجي. أحد الأسباب هو عادات وتقاليد البلاد التي قد تحول دون تجريمه. عادت القضية إلى الواجهة الأسبوع الماضي بعد إعلان محكمة في دلهي البدء بدراسة التماسات تقدمت بها مجموعات نسائية لتجريم الاغتصاب الزوجي، كما نقلت وكالات أنباء هندية. وخلال السنوات الماضية، نجحت الهند بتجريم الاغتصاب. وبموجب القانون الجنائي الحالي، يعرّف الاغتصاب بأنه "ممارسة الجنس مع امرأة من دون موافقتها أو رغماً عنها أو إذا كانت قاصرا". وتتضمن بعض الاستثناءات عدم وجود مقاومة جسدية، وممارسة الجنس بين الرجل وزوجته التي يزيد عمرها عن 18 عاماً. إلا أنه لم يتطرق إلى قضية الاغتصاب الزوجي، الأمر الذي يتنافى مع حقوق المرأة في الهند، بحسب جمعيات نسائية.
وعلى مدى السنوات الماضية، سعت الهند إلى توفير تعليم أفضل للفتيات ومنح النساء بعضاً من حقوقهن. في المقابل، ما زالت الرعاية الاجتماعية للنساء المعنفات غائبة. ويعدّ الاغتصاب الزوجي جريمة في العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا. لكن ما زالت الهند ضمن قائمة تضم ثلاثين دولة في العالم، لا تسمح للأزواج بتقديم شكاوى جنائية ضد شركائهم لممارسة الجنس غير الرضائي. وربما يعود الأمر إلى الموروث الثقافي والعادات والتقاليد، إذ يعد الزواج في الهند مقدساً. ولا تسمح القوانين بالطلاق أو التفرقة، كما أن غالبية الزيجات تحصل من خلال الأهل. لذلك، فإن جرائم الاغتصاب الزوجي تعد من المحرمات التي لا يمكن إثارتها في المجتمع. وبحسب آخر البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2010، يقدر عدد الهنديات المطلقات بـ1.1 في المائة بسبب العادات الصارمة.
في الوقت الحالي، لا توجد أرقام دقيقة عن أعداد النساء اللواتي يتعرضن للعنف الزوجي، لكن بعض المواقع الإخبارية والصحف العالمية، من ضمنها تقرير سابق لصحيفة "واشنطن بوست"، أشارت إلى أن امراة من كل ثلاث نساء متزوجات في الهند تتعرض للعنف على يد زوجها، فيما قالت صحيفة "تايمز أوف إنديا" بداية الشهر الحالي إن 9 من بين 10 نساء يتعرضن للاغتصاب الزوجي.
التماسات للتجريم
ما سبق دفع جمعيات نسائية إلى التحرك. وتقدمت المستشارة القانونية لجمعية النساء الديمقراطية لعموم الهند كيرتي سينغ، بطلب التماس بعد ارتفاع نسبة الاغتصاب الزوجي، وأشارت إلى ضرورة معاقبة كل فعل عنفي، لافتة إلى أن الاغتصاب الزوجي لا يختلف عن الاغتصاب خارج إطار الزواج. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن سينغ قولها إن القوانين الخاصة بالعنف الأسري تحتاج إلى دراسة معمقة. وتسأل: "لماذا يتم إقرار قانون لتجريم الاغتصاب خارج الزواج، في وقت يسمح بذلك داخل الأسرة؟". من جهتها، تقول مديرة برنامج منع العنف ضد النساء والأطفال في مومباي نايرين داروالا إن العادات والتقاليد المجتمعية تعيق النساء من الحصول على حقوقهن. وتقول: "لا يمكن للنساء الإبلاغ عن العنف بجميع أشكاله، وليس فقط العنف الزوجي". بدورها، استندت محامية مقدمي الالتماسات لدى مؤسسة وجمعية النساء الديمقراطية لعموم الهند كارونا نوند، إلى حكم سابق أصدرته محكمة عليا في الهند، يعتبر أن المغتصب يظل مغتصباً، والزواج من الضحية لا يحوله إلى غير مغتصب، وذلك خلال تقديم الالتماس إلى المحكمة.
وفي سبتمبر/ أيلول 2021، أثارت المحكمة جدالاً في الشارع بعدما اعتبرت أن ممارسة الجنس أو أي فعل جنسي يقوم به الزوج ليس "اغتصاباً" حتى ولو تم بالقوة وضد رغبة الزوجة، الأمر الذي دفع الجمعيات المعنية بحماية النساء إلى تنظيم صفوفهن لتقديم الالتماسات.
وبحسب صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية، أصدر القاضي في ناك تشاندرافانشي قراراً أجاز فيه "الاغتصاب الزوجي"، فيما أعطت المحكمة العليا في ولاية كيرلا رأياً مخالفاً واعتبرته سبباً لطلب الطلاق. وتعاقب المادة 375 من قانون العقوبات الهندي الاغتصاب وهو "الاتصال الجنسي مع امرأة بغير رضاها"، إلا أنها تعفي الزوج من أي تبعات جزائية إذا أكره زوجته على الجماع من دون موافقتها.
وكان موقع "دوتشيه فيليه" الألماني قد ذكر في عام 2020 أن السلطات الهندية تلقت بلاغات تفيد بتعرض امرأة للاغتصاب كل 15 دقيقة، وتم الإبلاغ عن 34 ألف حالة اغتصاب تقريباً في عام 2018. ووفق الموقع، فإن نحو 85 في المائة من هذه القضايا انتهت بتوجيه اتهامات. كما وجدت دراسة أعدّت عام 2016 أن هذه المحاكم تستغرق أكثر من ثمانية أشهر في المتوسط للبت في كل قضية، أي ما يزيد عن أربع مرات بالمقارنة مع الفترة الموصى بها. في هذا السياق، يعزو البعض أحد أسباب هذا التأخر إلى قلة أعداد القضاة في المحاكم.
إضراب عن الزواج
اندفاع المحكمة لتجريم الاغتصاب الزوجي لم يلق ترحيب العديد من الرجال الذين حاولوا إثارة الرأي العام حول "حقهم" في ممارسة الجنس مع النساء. وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية وموقع "دوتشية فيليه" الألماني إلى إعلان العديد من الرجال الإضراب عن الزواج على وسائل التواصل الاجتماعي. وأطلقت مجموعة من الرجال حملة أعربوا فيها عن رفضهم لهذه الالتماسات، واعتبروا أن إقرار تجريم الاغتصاب الزوجي قد يؤدي إلى اعتكاف الرجال عن الزواج. كما رأت جمعيات معنية بالدفاع عن حقوق الرجل أن "اعتبار الجنس غير الرضائي جريمة جنائية سيكون بمثابة تحويل الأزواج إلى مغتصبين وسيؤدي إلى انهيار الأسرة". وبحسب الحملة، فإن مقاطعة الزواج قد تكون الرد الأصح على ما تسعى إليه المحكمة. ورأت مجموعه أخرى أن الإضراب عن الزواج قد يردع النساء. وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، رفض رجل الأعمال أنيل مورتي، وهو مؤسس شريك لمنظمة "Save Indian Family Foundation"، إطلاق حملات تطالب بإقرار قوانين محايدة جنسانياً، لافتاً إلى أنه من حق الرجال الإضراب عن الزواج لأن حقوقهم لا تحظى بالحماية.
وبحسب الجمعيات الخاصة بحقوق الرجال، فإن تجريم العلاقات الجنسية وحتى تلك العنفية، ستفتح المجال أمام النساء لابتزاز الرجال. وتزعم هذه الجمعيات أن قانون العنف الأسري قد يساء استخدامه لرفع قضايا وهمية ضد الرجال.
موقف السلطات الهندية
بحسب ما نقلته صحيفة " هيندوستن تايمز الهندية"، ترى الحكومة أن السعي لتجريم الاغتصاب الزوجي يتنافى مع العادات. كما أن تجريم بعض الدول الغربية لما يسمى "الاغتصاب الزوجي" لا يعني أن على الهند القيام بالمثل.
وبحسب مذكرة أرسلتها الحكومة الهندية في الثامن والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي إلى محكمة دلهي العليا، ونشرها موقع صحيفة "هندوستان تايمز"، فقد رفضت أن تنساق المحكمة خلف تلك الدعاوى، مشددة على أن "الهند لديها مشاكلها الفريدة الخاصة بها بسبب عوامل مختلفة، وينبغي النظر فيها بعناية قبل تجريم ما يسمى الاغتصاب الزوجي". كما وجدت حكومة دلهي أن الاغتصاب الزوجي تمت تغطيته بالفعل باعتباره جريمة قاسية بموجب قانون العقوبات الهندي وإن المحاكم ليس لها سلطة تشريع أي جريمة جديدة.
(العربي الجديد)