ضغوط هائلة يتعرّض لها المرشّحان لزعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة البريطانية، وزيرة الخارجية الحالية ليز تراس ووزير المالية السابق ريشي سوناك، لا سيّما مع توالي الأبحاث والدراسات التي تحذّر في كلّ يوم من أزمة معيشية غير مسبوقة وسط غياب أيّ خطة واضحة ومدروسة وعميقة للحكومة وللمتنافسين.
وثمّة حالة من الاحتقان والقلق تطغى على المشهد العام في شوارع المملكة المتحدة، لا سيّما في المتاجر التي فقدت عدداً كبيراً من مرتاديها، بسبب ارتفاع الأسعار ونقص المواد الأساسية وغرق الأسر في أزمة ديون وغياب الأفق لحلول جدية. وفي هذا الإطار، تشير دراسات إلى ارتفاع غير مسبوق في التضخم إلى جانب الركود الذي تنزلق إليه البلاد يوماً بعد يوم، بالإضافة إلى انخفاض الأجور الذي لو استمرّ على حاله فسوف يصبح 99 في المائة من العمّال البريطانيين من ضمن الشرائح الأكثر فقراً.
في لقاء مع قناة "سكاي نيوز"، حذّر رئيس الحكومة الأسبق غوردن براون من مصير بائس سوف يواجهه البريطانيون في غضون شهرَين فقط، في حال لم تتّخذ الحكومة إجراءات فورية وطارئة. وقال رئيس الحكومة العمّالية الأسبق إنّه لم يكن يتوقّع أن يشهد جوعاً وفقراً مرّة أخرى في حياته، متحدّثاً عن مشاهد صادمة تلخّص الفقر في مسقط رأسه فايف في اسكتلندا. وذهب براون أبعد من ذلك، فتوقّع أن يذهب البريطانيون إلى النوم من دون طعام ومن دون أن يتمكّنوا من تدفئة منازلهم بحلول شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، مطالباً الحكومة بالتدخّل السريع وبعقد اجتماع طارئ واتّخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة أزمة غلاء المعيشة.
وبراون ليس أوّل منتقدي الحكومة البريطانية والمرشّحَين لرئاستها، إذ تشير العناوين العريضة للصحف البريطانية في كلّ صباح إلى حجم الأزمة التي يعيشها ملايين البريطانيين، والتي سوف تزداد عمقاً وتأثيراً على حياة الأكثرية في وقت قريب، ما لم ينكبّ كلا المرشّحين على البحث عن حلول في مواجهة هذه الأولوية المقلقة، بدلاً من التفرّغ لمحاسبة الآخر وانتقاد خططه والتنافس بالتشدّد والتطرّف.
ولفت براون إلى الفراغ الذي أحدثته الحكومة الحالية، الأمر الذي أدّى إلى اتّخاذ الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني إجراءات عاجلة لتعويض الغياب الحكومي، فعدد كبير منها يعمل، بحسب براون، على تخزين الأغطية وأكياس النوم وعبوات المياه الساخنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشرائح الأكثر هشاشة وفقراً، من أمثال المتقاعدين والعجزة والمرضى.
يُذكر أنّ دراسات تشير إلى أنّه على مدار السنوات الخمسين الماضية، أشرفت كلّ حكومة تقريباً على نموّ اقتصادي أقلّ من سابقتها، حتى لو وعدت بخلاف ذلك، بما فيها حكومة براون نفسه. ومارغريت تاتشر التي يقول المحافظون إنّها عُيّنت لإنقاذ الاقتصاد البريطاني، تشير أبحاث إلى أنّ النمو الاقتصادي خلال فترة قيادتها كان أقلّ ممّا كان عليه في عهد هارولد ويلسون أو جيمس كالاهان.
وتأتي التصريحات والتحذيرات التي أدلى بها براون، لـ"سكاي نيوز"، بعد أن هاجمه رئيس حزب المحافظين السابق أوليفر دودن، مناصر المرشّح ريشي سوناك، على هواء القناة نفسها، قائلاً إنّه "ترك البلاد بلا مال"، مذكّراً بالزيادة التي منحها للمتقاعدين وبلغت حينها 75 سنتاً أي ما يعادل دولاراً واحداً أو أقلّ.
ولدى سؤاله عمّا سوف يفعله لو كان في "داونينغ ستريت" الآن، أجاب براون بأنّ الخطوة الأولى عقد اجتماع طارئ مع مرشّحي القيادة تراس وسوناك، في دعوة مبطّنة لرئيس الحكومة المستقيل بوريس جونسون للقيام بالخطوة ذاتها. أضاف أنّ محاور النقاش في الاجتماع الطارئ كانت لتشمل نظام الائتمان الشامل ووضع حدّ أقصى لفواتير الطاقة، الأمر الذي يساهم في خفض التضخّم ومساعدة الناس الأكثر عوزاً كما هي الحال في النرويج التي تغطي الدولة فيها 80 في المائة من الزيادة في الفواتير.
وفي ظلّ الضغوط الهائلة التي يطرحها ملفّ أزمة المعيشة، تعهّدت تراس بخفض الضرائب فور وصولها إلى "داونينغ ستريت"، في حين تعهّد سوناك بمواجهة التضخّم قبل تخفيض الضرائب، مع مساعدة العائلات من خلال إلغاء ضريبة القيمة المضافة على فواتير الطاقة. لكنّ براون شكّك في تلك الحلول التي قدّمها المتنافسان قائلاً إنّ التخفيضات الضريبية لن تساعد في هذه المرحلة بالذات سوى الشريحة الأكثر ثراءً في المجتمع. وقد حذّر عدد كبير من الخبراء من أنّ حزمة الإجراءات التي قدّمتها الحكومة حتى الآن، وتلك التي تعهّد بها المتنافسان، أقلّ بكثير ممّا تحتاجه الأسر ذات الدخل المنخفض، مع التشديد على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة.
وفي سياق منفصل عن أزمة المعيشة، لكنّه متّصل بالفراغ الحكومي وبغياب الاستراتيجية، ذكرت صحيفة ذا إندبندنت أنّ عناصر الشرطة يقضون ما يصل إلى ثلث الوقت المخصّص للعمل في أمور غير متعلقة بواجباتهم، بما في ذلك الاستجابة لنداءات العاملين في القطاع الصحي. وكشفت الصحيفة أنّ كثيرين من عناصر الشرطة يساعدون في نقل مرضى الأزمات القلبية إلى المستشفيات في ظلّ النقص الكبير الذي يشلّ القطاع الصحي، وفي الوقت الذي سجّلت فيه الجرائم مستويات قياسية وغير مسبوقة في إنكلترا وويلز.
وتقول الطبيبة يولا التي تعمل في القطاع الصحي العام، وقد فضّلت عدم الكشف عن هويتها كاملة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التراجع والنقص في القطاع الصحي بلغا مستويات خطرة، إذ تراجعت خدمات الطوارئ في كلّ البلاد، فلم يعد رقم الطوارئ 999 قادراً على الاستجابة السريعة واستيعاب حجم الاتصالات، وبالتالي تُرك كثيرون من المرضى المحتاجين إلى استجابة فورية، كالجلطة الدماغية أو القلبية، في حالة انتظار وصلت في أحيان كثيرة إلى ساعتَين". تضيف يولا أنّ "النقص الهائل لا يقتصر على العنصر البشري، بل يشمل أيضاً المعدّات. وفي أحيان كثيرة، اضطُر إلى الاكتفاء بوضع قطنة على الوريد المفتوح والضغط بقوة بضع دقائق بسبب غياب اللصاقات الطبية".