سجلت مدينة الرقة شمالي سورية، مئات من الإصابات بمرض التهاب السحايا، وتعددت أسباب انتشار المرض في المدينة التي تحاول أن تتعافى من الكوارث التي حلّت بها خلال فترة الحرب التي خاضتها قوات التحالف الدولي و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) ضد تنظيم "داعش"، وبينها تلوّث المياه الذي يعتبر السبب الأول والمباشر في ارتفاع عدد الإصابات بالمرض، وأيضا عدم توفر كميات مناسبة من اللقاحات المخصصة للمرضى، وغلاء سعرها.
تكشف مسؤولة في لجنة الصحة بإدارة مدينة الرقة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "التهاب السحايا تحوّل إلى جائحة في المدينة، بعدما تجاوز عدد الإصابات 386 في مايو/ أيار الماضي، وغالبية الإصابات التي سجلت في المستشفى الوطني ومستشفى التوليد والهلال الأحمر شملت أطفالاً ومتقدمين في السن".
وتؤكد أن "الهجوم غير المتوقع يتطلب تكليف فريق يضم اختصاصيين مهمة تقصي أسباب المرض"، وتشير إلى أن "العلاجات تصطدم بعقبات مواجهة غلاء اللقاحات، وضعف التنسيق بين اللجنة الصحية والمستشفيات الخاصة لتحديد عدد الحالات، وعدم قدرة المستشفيات العامة على استيعاب عدد كبير من الإصابات. أما الأدوية المتوفرة التي تُعطى للمرضى فهي فانكومايسين وزيفيكس بعيار غرام واحد لكل منهما. ولتفادي الجائحة، يجب توفير اللقاحات والأدوية اللازمة، وتخصيص أقسام لمعالجة الأوبئة".
ويخلط الأهالي بين أعراض الزكام وارتفاع الحرارة وبين مرض التهاب السحايا، وفق ما توضح مديرة قسم التوعية الصحية في مركز الخاتونية الصحي ناريمان علي، التي تقول لـ"العربي الجديد": "يعرف الأهل أن أطفالهم مرضى، ويعانون من ارتفاع في درجة الحرارة والإسهال وفقدان الشهية وحالات تقيؤ، فيحضرونهم إلى مستوصف الخاتونية، حيث يعاينهم أطباء ويخبرونهم أن الأطفال يعانون من السحايا، فتعلق أمصال لهم ويمنحون الأدوية في غرفة الإسعاف. والأطفال في بداية المرض يتحسن وضعهم في المستوصف، أما في الحالات المستعصية فيجري تحويلهم إلى مستشفيات".
تتابع: "لا يعرف الأهالي ما هو المرض، ويظنون أن أطفالهم يعانون من رشح أو زكام. وعند قدومهم إلى المستوصف نقدم لهم توعية في شأن مرض السحايا، من خلال فريق خاص بالدعم الفني".
وتلفت إلى أن "الأطفال دون الخمس سنوات أكثر عرضة للإصابة بالمرض الذي ينتج من عدم تلقي اللقاحات، وضعف الجهاز المناعي. وتتمثل مضاعفات المرض بفقدان السمع وصعوبة التذكر والتعلم، وحصول تلف في الدماغ ومشاكل في المشي وفشل كلوي. وعندما تسوء حالة المريض أكثر يتعرض لصدمة، ثم يتوفى". تضيف: "قد يحصل المرض بسبب فيروس أو بكتيريا. وبين الفيروسات المسببة له الهربس البسيط، ونكاف غرب النيل ونقص المناعة. ويشفى عدد من الأطفال خلال أسابيع، في حين يحتاج بعضهم إلى تناول مضادات حيوية إذا كانت حالتهم متقدمة، علماً أن أي مرض مرتبط بسبب جرثومي قد يكون قاتلاً، أو يتسبب في تلف دماغي دائم وحتى الوفاة في حال لم يعالج خلال عدة أيام. ونحن نقوم بتوعية الأهالي من خلال فريق الدعم النفسي، ونوصل الرسالة للأهالي والمجتمع".
ومن أسباب وصول الأطفال إلى مرحلة الخطر، عدم إدراك الأهل ضرورة التوجه إلى أقرب نقطة طبية واستشارة طبيب إذ إن هذا يقلل من إمكان تعرض الطفل لإصابة دماغية دائمة أو أخرى ناجمة عن المرض.
ويؤكد الطبيب فراس ممدوح الفهد المقيم في مدينة الرقة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن العدوى الفيروسية أهم أسباب الإصابة، ثم تلك البكتيرية والفطرية في حالات قليلة، ويلفت إلى أن مستشفى التوليد والأطفال في الرقة يقدم خدمات كبيرة لعلاج السحايا.
ويقول إن "عدد الإصابات كبير، والأجهزة الصحية لا تستطيع التعامل مع هذه الأعداد وسرعة انتقال العدوى بين الأطفال. نوصي الأهالي بالحرص على عدم مخالطة أطفال آخرين يشكون في أنهم مصابون بالمرض الذي ينتقل عبر التنفس واللعاب، علماً أن المرض يرتبط أيضا بالنظافة الشخصية، وتجنب شرب مياه ملوثة، واتباع إجراءات تشبه تلك المتبعة للوقاية من وباء كورونا، والتي يعرفها الجميع".
من جهتها، لم تدرك فاطمة أن طفلها مصاب بالتهاب السحايا، كما أخبرت "العربي الجديد" إلا بعدما ساءت حالته. تقول: "بداية عانى من ارتفاع في درجة الحرارة، وظننت أن الأمر له علاقة بحرارة الشمس حيث كان يلعب أمام باب المنزل مع أطفال الجيران، أعطيته شراباً لخفض الحرارة، فحصل ذلك تدريجياً ونام، لكن حالته ساءت في الصباح، وبدأ يتقيأ ولم يعد قادراً على شرب حتى الماء". تضيف: "عمر طفلي أربع سنوات، وهو الثالث لدي، وشاهدت مرات حوادث مماثلة لما حصل معه مع أخوته، لكنني لم أتوقع إصابته بمرض التهاب السحايا حتى ذهبت به إلى المستشفى. هناك علمنا ذلك، وتماثل للشفاء التام خلال أسبوعين. من الجيد أنني لم انتظر كثيراً أو أعتمد على ما أعرفه في حال أصيب الطفل بإسهال أو تقيؤ وارتفاع في درجة الحرارة، وإلا لكان في عداد الموتى اليوم".
وتعتمد مدينة الرقة على مياه الفرات كمصدر أساسي لمياه الشرب، وهناك ثلاث محطات تغذية رئيسية، هي "الجزرة" في الريف الغربي، و"الرقة" قرب المدينة، و"الكرامة" في الشرق. وشهدت المدينة حوادث عدة لتلوث المياه، خاصة العام الماضي، وهناك تقصير في تعقيم المياه من قبل الجهات المختصة التابعة لـ"الإدارة الذاتية" قد يكون تسبب في انتشار التهاب السحايا.