ترغب الحكومة الدنماركية في نقل طالبي اللجوء القادمين إليها إلى جمهورية رواندا (شرق أفريقيا). هذا ما تظهره اتفاقيّة سرية عقدت بين الدنمارك ورواندا، نهاية الشهر الماضي، بعد زيارة وزيري الهجرة والاندماج ماتياس تيسفاي، والتنمية فليمنغ مولر مورتنسن هذا البلد الأفريقي، وتوقيعهما اتفاقية مع نظام تصفه الصحافة الدنماركية بنظام "شبه ديكتاتوري".
ينصّ الاتفاق على إرسال طالبي اللجوء الذين يصلون إلى الدنمارك إلى رواندا، والتي ستتحوّل إلى مقرّ "لدراسة طلبات اللجوء". ويقضي الاتفاق، وفق تسريبات للصحافة والتلفزيون الدنماركي، بنقل طالبي اللجوء بطائرات إلى رواندا. وفي حال تم قبول لجوء المقيمين في معسكرات الانتظار، يبقى طالبو اللجوء في رواندا. وفي حال الرفض، تتحمّل رواندا ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي.
تبنّي حكومة يسار الوسط نهجاً متشدداً، واعتماد رئيسة حكومتها ميتا فريدركسن على تأييد اليمين ويمين الوسط، بات يثير سجالاً في البلاد وأروقة الأمم المتحدة. وأثار الموقف من اللاجئين السوريين على وجه الخصوص أسئلة كثيرة عن "تغير مبادئ الدنمارك الحقوقية". وأخيراً، شهد البرلمان الدنماركي نقاشات لتأمين تأييد الغالبية تحت عنوان "استقبال في دولة ثالثة أو دول الجوار".
وبحسب تقارير محليّة ودولية، تضم رواندا معسكرات لجوء، وبالأخص من دول الجيران مثل الكونغو الديمقراطية وبوروندي. وقالت وزارة الخارجية الدنماركية إنه "على مدى سنوات، أظهرت رواندا التزامها بحماية اللاجئين واستقبال مئات الآلاف منهم". وصفٌ لم يرُق لبعض المؤسسات الإعلامية، بما فيها الشعبية، وقد عنونت صحيفة "إكسترا بلاديت": "استعراض تيسفاي للوحة جميلة ينهار: اللاجئون في حمام دماء". كما أشارت إلى قيام الأمن الرواندي عام 2018 بإطلاق النار وقتل 11 من اللاجئين على الأقل الذين احتجوا على الظروف الصعبة التي وجدوا أنفسهم فيها، مؤكدة أنه "لم تكن هناك حماية للاجئين كما يحاول الساسة الدنماركيون تصوير رواندا".
ولا يعدّ سجل رواندا مع اللاجئين مبشّراً. ولطالما انتقدتها الأمم المتحدة ومنظمة "هيومان رايتس ووتش"، التي أكدت أن السلطات الحاكمة لم تنصف القتلى. على العكس، حكمت على لاجئين احتجوا على الظروف بالسجن عشرين عاماً (في أحداث عام 2018). وعلى الرغم من الكشف عن السجل الحقوقي المتردي، والاحتجاجات السياسية والحقوقية، يبدو أن كوبنهاغن ماضية في طرح مشروع قانون أكثر تشدداً مع طالبي اللجوء.
ويُثير التعاون مع نظام يوصف بـ"الدكتاتوري" ويرأسه بول كاغامي منذ 20 سنة، الكثير من الأسئلة والسجالات السياسية.
وأشارت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، في تقريرها السنوي الذي أصدرته عام 2020، إلى أن الاعتقال التعسفي والمعاملة السيئة والتعذيب في السجون الرسمية وغير الرسمية سياسة ينتهجها النظام الرواندي، وعادة ما يستخدم تهمة "الإخلال بالأمن" لملاحقة كل شخص ينتقد كاغامي.
وكشف تحقيق لصحيفة "إكسترا بلاديت"، تحت عنوان "رفاق ميتا الجدد"، أنّ رئيسة حكومة يسار الوسط تُصرّ على تجاهل نصائح 11 خبيراً من أصل 12 لدى وزارة الخارجية، بعدم إعادة اللاجئين السوريين، لافتة إلى أن "موقفها يظلّ ثابتاً لناحية عودة السوريين إلى ديارهم". وأشارت إلى أن "صديق ميتا الجديد هو اللواء السوري ناجي نمير، مدير إدارة الهجرة والجوازات التابعة لحكومة النظام، وهو يتحدث بشكل جيد عن ميتا فريدركسن لطلبها من 97 سورياً، بينهم 20 طفلاً، مغادرة الدنمارك".
وأشارت الصحيفة إلى أن "جنرال الديكتاتور بشار الأسد، ناجي نمير، لا يجد مشكلة في استعادة اللاجئين، الذين يشير الخبراء، باستثناء رفاق ميتا، إلى أن العائدين إلى سورية يواجهون خطر السجن والتعذيب"، وهو ما دفع حزبي "الشعب الاشتراكي" و"اللائحة الموحدة" اليساريين إلى طلب توضيحات من رئيسة الحكومة حول سياسة إبعاد السوريين التي تصر عليها. ونمير هو من الشخصيات التي فاوضها وفدان دنماركيان زارا دمشق وبيروت خلال السنوات الماضية لبحث إعادة لاجئي دمشق وريفها إلى الديار، باعتبارها مناطق آمنة.
تيسفاي، وبعدما بدأت الصحافة تنبش في سجل رواندا الحقوقي وتعاون حكومة فريدركسن مع أنظمة موصوفة بالديكتاتورية، أكد أن حكومته "متمسكة بالتعاون مع رواندا، على الرغم من إدراكي أن البلد يتعرض لانتقادات (حقوقية). إلا أن رواندا نفسها اقترحت تعاوناً أيضاً في مجال حقوق الإنسان، ونحن سعداء بذلك، وسنتابع العمل بفعالية".
الكلام الدنماركي الجديد عن التعاون مع نظام رواندا وغيره من الأنظمة غير الديمقراطية بشأن إرسال اللاجئين إليها، اعتبره الباحث والأستاذ الجامعي في شؤون رواندا في كوبنهاغن سيمون تورنر "مقلق حين يقبل تيسفاي كلام كاغامي عن الديمقراطية الأفريقية الخاصة، وتلك سياسة ساذجة في أحسن الأحوال"، مضيفاً: "رواندا تقف في مقدمة الدول التي تحاول إيجاد حلول أفريقية خاصة بأنظمتها".
كذلك، انتقدت صحافة الدنمارك اختيار فريدركسن "رفاقها الجدد". وتحدثت "إكسترا بلاديت" عن علاقة فريدركسن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فهو "شخص تلاحقه مزاعم الفساد بشدة، في وقت تسعى إسرائيل بلا هوادة إلى بناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية. على الرغم من ذلك، وخلال حملته الانتخابية الأخيرة، سوّق نتنياهو لنفسه بشكل مبالغ فيه في ما يتعلق بلقاحات كورونا، لكنه أخفى أنه باع بيانات الإسرائيليين الصحية لشركات الأدوية الكبرى. مع ذلك، سافرت فريدركسن إليه وتحدثت عن تعاون بشأن اللقاح، على الرغم من أنه منعه عن الفلسطينيين".
ولا يعرف بعد ما إذا كان الترحيل إلى رواندا سيشمل أولئك الذين سحبت إقاماتهم، وعليهم تقديم طلبات لجوء مجدداً، وهم بالأصل يقيمون في الدنمارك.
وبحسب مشروع القانون، فإنّ قبول اللجوء "يعني أن إقامة اللاجئ ستكون في بلد الإيواء وليس الدنمارك". ويقول مقرر شؤون الهجرة في البرلمان راسموس ستوكلوند، إن "نظام اللجوء الجديد سيزيل الحافز الذي يجعل الناس في الشرق الأوسط وأفريقيا يخاطرون بحياتهم للوصول إلى أوروبا بقوارب مطاطية من خلال تجار البشر".
ويواجه مشروع القانون معارضة من الأحزاب اليسارية التي انتقدت نقل مهمة حماية اللاجئين إلى دول أفريقية فقيرة. وتساءلت مقررة الشؤون الأمنية والدفاعية في حزب "اللائحة الموحدة" اليساري إيفا فلوهولم عن كيفية انحدار السياسة الدنماركية إلى هذا المستوى.