تكثر الانتقادات التي تطاول برنامج "ثمرات" في السودان، ويشير مراقبون إلى عثرات كثيرة تعترضه وثغرات في خططه تعرقل تنفيذه.
مع تزايد الضغوط المعيشية على السودانيين من جرّاء السياسات الاقتصادية الأخيرة في البلاد، تسعى الحكومة إلى التخفيف من وطأة الضغوط من خلال برنامج "ثمرات" للدعم النقدي المباشر للأسر، غير أنّ هذا البرنامج يواجه عقبات عدّة. سيدة مصطفى، ربة منزل مطلّقة تعيل أبناءها، تخبر "العربي الجديد": "علمت من خلال وسائل الإعلام عن البرنامج الحكومي المخصّص لدعم الأسر براتب شهري، فجهّزت مباشرة كلّ الأوراق المطلوبة بما في ذلك الرقم الوطني. ثمّ رحت أنتظر وصول أطقم البرنامج سواء إلى منزلي أو إلى أقرب موقع في منطقة الحاج يوسف (شرقي الخرطوم) حيث أقيم، من أجل تسجيلي مع أفراد أسرتي". لكنّها ما زالت تنتظر منذ أشهر عدّة.
وسيدة مصطفى ليست الوحيدة التي تترقّب تنفيذ البرنامج، فثمّة آلاف من المواطنين الذين سجّلوا أسماءهم لكنّهم لم يحصلوا بعد على أيّ دعم مالي، الأمر الذي أصاب كثيرين بالإحباط خصوصاً مع الأوضاع المعيشية المتدهورة، من خلال غلاء أسعار السلع الضرورية مثل اللحوم والألبان والخضراوات وزيوت الطعام والدواء.
وكانت فكرة تقديم دعم نقدي مباشرة للمواطنين قد أتت كبديل للدعم من خلال السلع الذي ظلّت تقدّمه الدولة لعقود طويلة، وذلك ظنّاً منها أنّ ذلك الدعم لا يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية لأنّه يُقدَّم إلى المستحقين وغير المستحقين. ومن المخطط أن يقدّم برنامج دعم الأسر في السودان المعروف باسم "ثمرات"، دعماً بقيمة خمسة دولارات أميركية لكلّ فرد في الأسرة. وهو كان قد بدأ بخطوات تجريبية في العام الماضي، واستهدف نحو 80 في المائة من الأسر السودانية، وذلك لمدّة 12 شهراً قابلة للتمديد. ويُنفَّذ البرنامج بالمشاركة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمات دولية أخرى ويستفيد من تبرّعات من دول مانحة.
وتعلّق الحكومة السودانية آمالاً كبيرة على نجاح البرنامج، وبالتالي المساهمة في تخفيف أعباء المعيشة عن الأسر السودانية. وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي صرّح بأنّ "ثمرات" واحد من أبرز برامج الحكومة الانتقالية، وهو مصمَّم لمعالجة قضايا معيشة الناس والتخفيف من تبعات الإصلاحات الاقتصادية على المواطنين. أمّا وزارتا المالية والرعاية الاجتماعية، فأفادتا بأنّ البرنامج يستند إلى خطة عمل على مراحل، تسعى إلى ضمّ جميع المواطنين المستهدفين، وفق نظام إلكتروني يحفظ حقّ الجميع في تلقي الدعم المالي المباشر وغير المشروط.
في المقابل، يقلّل الخبير الاقتصادي البروفسور محمد شيخون من الأهمية الاجتماعية للبرنامج نظراً إلى تواضع المبلغ المقدّم للفرد الواحد والذي لا يكفي لمدّة ثلاثة أيام، مقترحاً "توجيه ملايين الدولارات التي حصلت عليها الحكومة من المانحين إلى مشاريع تحقّق مفاهيم العدالة الاجتماعية، من قبيل إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية وإعادتهم إلى دائرة الإنتاج، أو تحويل المبلغ للدعم التنموي بأبعاده الاجتماعية". يضيف شيخون لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة برامج أخرى يمكن استخدام المبالغ فيها، مثل دعم الأدوية التي تشهد أزمة حقيقية منذ أشهر طويلة"، مؤكداً أنّ "الفقراء كما الأغنياء يستفيدون من دعم الدواء".
ويتّفق فخر الدين عبد الواحد، الناشط في مجال العمل الإنساني، مع محمد شيخون، متوّقعاً فشل البرنامج. ويشير عبد الواحد لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "من بين الأسباب عدم توفّر معلومات ولا إحصاءات حقيقية، بالتالي يصعب حصر الأعداد المستهدفة مثلما حدث في مناطق كردفان (وسط). فعندما قصدتها فرق التسجيل، اكتشفت أنّ الفرق شاسع جداً ما بين العدد المستهدف والأعداد الحقيقية للمحتاجين". وينبّه عبد الواحد إلى "خلل آخر في برنامج ثمرات، وهو عدم استفادة القائمين عليه من منظمات المجتمع المدني وخبرتها في توزيع الدعم للأسر الفقيرة"، إلى جانب اعتراضه الأساسي على "تقديم دعم مالي مباشر وليس من ضمن مشاريع إنتاجية" استناداً إلى قاعدة لا تعطني سمكة بل علّمني كيف أصطاد. ويشدّد عبد الواحد على أنّ "جدوى المشاريع الإنتاجية الصغيرة للأسر تطاول كلّ المجتمع، وتساهم في توفير السلع الضرورية لأفراده وتقلّل نسب البطالة".
أمّا أبو عبيدة مصطفى المتخصص في برامج الأمان الاجتماعي، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "عدم إثمار برنامج ثمرات ناجم عن اعتماد وثيقة الرقم الوطني فقط للتسجيل، فعدد كبير من السودانيين لا يملكها"، مضيفاً أنّ التسجيل يتمّ إلكترونياً في حين أنّ كثيرين من المستهدفين لا يجيدون التواصل الإلكتروني، خصوصاً في الأرياف والمناطق البعيدة. ويتابع مصطفى أنّ "البرنامج لم يستفد بما يكفي من تجارب شبكات الأمان الاجتماعي ومشاريعها لدعم الأسر في عدد من المناطق"، مشيراً إلى أنّ "البطء الذي يلازم التنفيذ يؤدّي في النهاية إلى إخفاق بسبب التغييرات التي قد تحدث في وقت لاحق".
من جهته، يرى الصحافي أبو القاسم إبراهيم أنّ أيّ "دعم مالي للأسر السودانية، مهما كان قليلاً، سيكون له انعكاس إيجابي على تلك الأسر". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الأكثر إيجابية هو استهداف 80 في المائة من الأسر، وهو ما لم يحدث من قبل. فالدعم كان يصل إلى ما بين 20 و50 في المائة من المواطنين". ويطالب إبراهيم الدولة بـ"مضاعفة جهودها في مجال برامج الدعم الاجتماعي الأخرى، خصوصاً في مجانية التعليم والعلاج، وتقليص نسبة البطالة. وهذا النوع من الخطط كفيل بالتخفيف من وطأة الأزمات المجتمعية".