تكثر أعمال العنف والجرائم في السويداء من جهة، وحالات الانتحار من جهة أخرى. فما تعيشه المحافظة من ظروف سياسية واقتصادية صعبة، يؤدي إلى الانفلات الأمني، وقد يغذي رغبة البعض في الخلاص.
في الأول من سبتمبر/ أيلول الماضي، استفاقت قرية صما البردان في محافظة السويداء جنوبيّ سورية على مقتل المواطن ميسر الشوفي على يد ابنه الأكبر. وقبل نهاية الشهر نفسه، قتل المواطن عماد الخطيب في المحافظة نفسها على يد شقيقه عمداً، في جريمة ثأر، تداعيتها قائمة منذ نحو عامين.
كان وقع هاتين الجريمتين كبيراً. ويظهر أن العنف كان عنواناً لمحافظة السويداء خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، في ظل عدد الجرائم المرتفعة. من جهة أخرى، شهدت المحافظة العديد من حالات الانتحار.
وعلى الرغم من انخفاض وتيرة العنف نسبياً، بعدما حسم أهالي السويداء مصير أكبر العصابات المرتبطة بالأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، والمتهمة بإحداث الفوضى من خلال عمليات خطف وتصفيات أواخر شهر يوليو/ تموز الماضي، إلا أن المحافظة ما زالت تشهد أحداثاً دموية بين الحين والآخر، وما زالت حالة الفوضى التي تتفاقم حيناً وتتراجع أحياناً تحصد عدداً من الأرواح، ليسقط مع نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي ثمانية ضحايا ذكور، بالإضافة إلى خمسة مصابين. ومن بين الضحايا ثلاثة قضوا انتحاراً. الشاب العشريني هادي عزت عامر توفي متأثراً بشظايا قنبلة يدوية أودت بحياته على الفور، في منزله الواقع في بلدة السويمرة شمال مدينة شهبا. وأشارت المعلومات القضائية إلى أن الضحية كان وحيداً في المنزل عندما سمع الجيران صوت الانفجار وهرعوا إلى المكان، ما يرجح أنه أقدم على الانتحار، إن لم يثبت انفجار القنبلة من طريق الخطأ. بعض الأشخاص الذين يعرفون عامر أشاروا في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه لم يكن يعاني من اضطرابات نفسية أو مشاكل عائلية، إلا أنه يعاني، حاله حال العديد من الشباب، من الفقر وانعدام فرص السفر، عدا عن مخاطر التخلف عن الخدمة العسكرية.
أما العشريني سامر أحمد الجمال، فكان قد فارق الحياة لدى وصوله إلى المستشفى إثر إصابته بطلق ناري (بندقية صيد). وأكد الطبيب الشرعي أن الإصابة كانت في القلب، وجاءت من مكان قريب، الأمر الذي يرجح فرضية الانتحار، وهذا ما أكده المقربون من الضحية من دون توضيح الأسباب.
أما الضحية الثالثة، فهو الطالب في كلية الهندسة المعلوماتية مهاب فارس الشحف (25 عاماً)، وقد عثر عليه مشنوقاً بحبل في غرفته في قرية مردك شماليّ السويداء. ورجحت التحقيقات وتقرير الطب الشرعي أن يكون الشاب قد أقدم على الانتحار في ظل عدم توافر أية أسباب جنائية في الحادثة.
وفي نهاية الأسبوع الأول من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، عثر على ياسر لطفي أبو حمدان (35 عاماً) مقتولاً في سيارته على مقربة من سد جوالين جنوبيّ السويداء. وقال الطبيب الشرعي إن الضحية قتل بطلقتين من سلاح حربي (مسدس) وقد استقرت إحدى الرصاصات في الرأس، وأظهر التقرير أن الجريمة وقعت بعد شجار مع القاتل.
وأشارت المعلومات الأولية إلى أن القتيل يجول بسيارته لتوزيع قطع بديلة للهواتف النقالة. وكان يستعد لبدء جولته في المنطقة، ليظهر بعد يوم من اكتشاف الجريمة اسما متهمَين، أحدهما فتاة. وبادرت عائلات المتهمَين إلى تسليمهما لفرع الأمن الجنائي التابع لسلطة النظام، تفادياً لوقوع فتنة بين العائلات.
إلى ذلك، شهدت المحافظة توتراً كبيراً عقب مقتل الشابين حمزة رأفت البلعوس وخليل محمود الزاعور المتحدرين من قرية صميد، وذلك في أحراج منطقة اللجاة الممتدة على مسافة خمسين كيلومتراً بين محافظتي السويداء ودرعا، في أثناء قيامهما بأعمال تحطيب الأشجار الحرجية مع عدد من أبناء البلدة.
وعلى الرغم من أن القتيلين قضيا على أيدي مسلحين مجهولين، إلا أن الاتهامات وجهت إلى عشائر البدو التي تقطن في المنطقة، ما أدى إلى توتر مرده الحساسية بين أهالي السويداء وعشائر البدو، التي يسعى النظام لتحريكها بين الحين والآخر للاستفادة من خلافهم، وبالتالي زيادة سيطرته على المحافظة.
وباغتت المجموعة المسلحة عدداً من الشبان، وأطلقت النار عليهم مباشرة، فقتلت الشابين الزاعور والبلعوس، وخطفت آخرين ثم أفرجت عنهم بعد ساعات. وعلى الرغم من أن الجهة مجهولة، إلا أنها عمدت من خلال منشورات ومواقع التواصل الاجتماعي إلى اطلاق تحذيرات في وجه المشاركين بالتحطيب، على أساس طائفي وعشائري، الأمر الذي أدى إلى تبادل الاتهامات وشد العصبيات بعد حادثة القتل والهجوم.
في التاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي، أصيب الطفل زعل خليف الحطاب بجروح خطرة أدت إلى بتر قدميه، من جراء انفجار قنبلة كانت بحوزته في أثناء عمله برعي الماشية في بادية السويداء، حيث يحرص أهالي المنطقة على الرعي وهم مسلحون، خوفاً من أي هجوم لخلايا نائمة أو غير ذلك.
وإثر شجار عند أحد آبار الشرب، دخل مواطنان يتحدران من قرية مجادل شماليّ السويداء، إلى المستشفى للعلاج، فحاولت دورية تابعة لفرع الأمن الجنائي اعتقال أحدهما، ما سبّب شجاراً مع عائلتي المصابين وفتح النار في محيط المستشفى أدى إلى إصابة شخص ثالث من العائلة نفسها.
كذلك شهد الثلث الثاني من شهر سبتمبر/ أيلول إصابة منذر عريج بجروح خطرة، من جراء تعرضه لإطلاق نار قرب المستشفى العام في مدينة السويداء، بعد شجار مع شاب مخمور أطلق عليه النار وأصابه بالفخذ.
من جهته، يتحدث الناشط حسام العبدالله لـ"العربي الجديد" عن مجموعة عوامل تساهم في انتشار العنف واستمراره بوتيرة قد تصل في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المتأزمة إلى حد الانفلات، ويظهر ذلك عندما يقتل أخ أخاه، أو يقتل ولد أباه. كذلك يلفت إلى الخطر الكبير الناتج من الانتشار العشوائي للسلاح من دون ضابط إداري أو رادع قضائي، في الوقت الذي تشهد فيه المحافظة فلتاناً أمنياً مقصوداً ومدروساً، بالإضافة إلى وجود مقومات تدفع إلى القتل أو الانتحار.
تحرص تقارير الطب الشرعي في السويداء على عدم الإفصاح علناً عن حالات الانتحار، مراعية في ذلك وضع عائلات المنتحرين والتقاليد والأعراف التي تقضي بعدم جواز الصلاة على المنتحر. ويُترك للتحقيقات والضابطة العدلية إصدار الحكم بعدما تكون العائلة قد صلّت على المتوفى وأقامت طقوس العزاء.
أما الضابطة العدلية، فتقول إنها تمارس دورها خلال التحقيقات، علماً أنها تعتمد على الفصائل المحلية أو العصابات لحمايتها بحجة أنها غير قادرة على القيام بمهامها، على الرغم من النداءات اليومية للأهالي. وغالباً ما يُسلَّم المتهمون للسلطات المختصة طوعاً من قبل عائلاتهم، درءاً لأعمال انتقامية، وحفاظاً على ما بقي من تماسك اجتماعي في المحافظة.
ويرى المحامي سعيد الرافع أن العدالة باتت جزءاً من الانهيار الذي تشهده مؤسسات الدولة. فالقانون موجود ومغيَّب في حالات كثيرة. وحتى إذا أريد له أن يطبَّق، فإنه يحتاج إلى حماية. ويذكر عدد من الحالات التي اقتُحم فيها القصر العدلي في السويداء من قبل أفراد وعصابات تابعة للأجهزة الأمنية، وحالات أخرى أدت إلى الاعتداء على محامين وتهديدهم وخطفهم.
ويحمّل الرافع المسؤولية في تغييب القضاء للفلتان الأمني والتدخلات في الأحكام ومراسيم العفو الرئاسية الصادرة عن النظام، بالإضافة إلى الأعراف والتقاليد التي تهدر حقوق الضحايا.