دفعت الضائقة المالية التي يمر بها العراقيون خلال السنوات الأخيرة الكثير من الشبان إلى اتخاذ قرارات خاطئة، بعضها يتحول إلى بداية النهاية لحياتهم الزوجية، ومنها الزواج بالآجل، أو تقسيط التكاليف لتلبية المتطلبات، واتباع مظاهر وتقاليد الزواج المعتادة، والتي تحمّل الزوج أعباء مادية أكبر من طاقته لتلبية رغبات العروس وعائلتها.
يعتبر العراق أحد البلدان التي تعرف ارتفاع تكاليف الزواج على الرغم من البطالة المستشرية بين الشباب، ما يجعل أحدهم يقضي شبابه في البحث عن عمل، ربما عبر الهجرة، حتى يتمكن من تأمين مستقبله.
يتردد الشاب العراقي هشام العزاوي على محكمة الكرخ بوسط بغداد، لاستكمال إجراءات الطلاق بعد مرور سنة واحدة على زواجه، والسبب المباشر هو كثرة المشاكل الزوجية الناتجة عن تدهور الأوضاع المعيشية، ويلفت إلى أنّه اضطر إلى أن يقترض مبلغاً قدره 10 آلاف دولار من الأقارب والأصدقاء لتسديد تكاليف الزواج. يقول العزاوي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الضائقة المالية دفعتني لاتخاذ قرارات خاطئة لإرضاء زوجتي وأهلها، والذين تسببوا في إغراقي بالديون بعدما اشترطوا عليّ قضاء شهر العسل في تركيا، وإقامة حفل زفاف كبير في حدائق نادي الصيد، فضلاً عن تكاليف الزواج الأخرى، وكل ذلك من أجل أن يثبتوا للناس أنهم لا يقلون شأناً عن الآخرين". ويشير إلى أن "ديون الزواج المتراكمة أفسدت حياتي الزوجية، وحولتها إلى جحيم، حتى وصل بي الحال إلى مراجعة مراكز الشرطة والمحاكم بهدف الانفصال".
من جهته، يقول الشاب علي الكناني لـ"العربي الجديد"، إن "الظروف المعيشية صعبة، وتكاليف الزواج، وخصوصاً المهور، عالية، ولا تتناسب مع ما يتقاضاه العراقي من راتب، وأغلب الشباب يعملون بالأجر اليومي، إن لم يكونوا عاطلين عن العمل، والمئات مثلي لا يجدون وسيلة للزواج إلا عبر اللجوء إلى مكاتب البيع بالتقسيط لتوفير المتطلبات من ذهب وأثاث منزلي. لم تمض سوى 6 أشهر على زواجي، وبدأت مشاكل الديون، وأعجز عن تسديد الأقساط الشهرية، وهي أمور أفسدت زواجي". ويلفت الكناني إلى أن "عدم القدرة على سداد الأقساط أودى بي إلى السجن 20 يوماً، واضطررت إلى بيع كل ما أملك من أثاث لسداد جزء من الديون".
ويعزو مراقبون تنامي ظاهرة لجوء الشباب إلى شركات البيع بالتقسيط، أو الاقتراض، إلى ارتفاع نسب البطالة، وزيادة معدلات الفقر في العراق. وبحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة التخطيط، فإن نسبة البطالة بلغت نحو 16.5 في المائة، أي أن شخصاً من بين كل خمسة أشخاص عاطل عن العمل، ومعدل البطالة في الفئة العمرية بين 15 و24 سنة، بلغ 35.8 في المائة، وهي ثلاثة أضعاف معدل البطالة بين من تتجاوز أعمارهم 25 سنة، والبالغة 11.2 في المائة.
في هذا الصدد، تقول رئيسة منظمة "نسائم الخير" الناشطة في مجال حقوق الإنسان، حسنة الجنابي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المشاكل المادية أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى إفساد الحياة الزوجية، ويبدأ ذلك عبر عدم قدرة الزوج على تأمين متطلبات الحياة للزوجة والأطفال، وكذلك تراكم ديون الزواج التي يقدم عليها لتوفير المتطلبات، ليتفاجأ الزوج بعدها بعدم قدرته على تسديد الديون والأقساط المترتبة عليه شهرياً". وتوضح الجنابي أن "90 في المائة من الشباب الذين أقبلوا أخيراً على الزواج بهذه الطريقة يشعرون بالندم بسبب اصطدامهم بواقع مؤلم من جراء الضائقة المادية التي أثرت على حالتهم المعيشية. ديون الزواج المادية أودت بكثير من الشباب إلى السجون، كما زادت من عدد حالات الطلاق، وفاقمت التفكك الأسري، وتسببت في تعنيف الأطفال الذين لم يسلموا من تداعيات تلك المشكلة". وتلفت الجنابي إلى أن "أغلب المتزوجين الذين وقعوا في فخ الزواج بالآجل لا تتجاوز أعمارهم الـ 20 سنة، ولا يتمتعون ببعد النظر اللازم لتدبير الحياة الزوجية، ومعرفة المسؤوليات المترتبة على الزواج"، داعيةً إلى "ضرورة نشر الوعي الفكري لدى الشباب، والتخفيف عنهم من خلال عدم المبالغة في المهور، ومراعاة الظروف الاقتصادية التي يعيشها العراقيون بالعمل على تقليص النفقات المرتبطة بتفاصيل الزواج، ومنها الحفلات، ومظاهر البذخ من قبل العروس وأهلها".
بدوره، يقول الخبير في التنمية البشرية، منتصر السوداني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا شك أن جميع الشباب يرغبون في تكوين أسرة، أو كما يقال شعبياً استكمال نصف دينهم، إلا أن هذه الرغبة بات يصعب تحقيقها في العراق، بسبب انتشار البطالة بشكل واسع"، مشيراً إلى أن "الزواج أصبح أحد أصعب القرارات التي يقبل عليها الشاب العراقي، لا سيما وأن معظمهم يعملون بأجر يومي لا يفي باحتياجاتهم الشخصية، فكيف إذا انتقل إلى عالم العائلة التي تتطلب المزيد من النفقات، وتستلزم المزيد من المسؤوليات". يضيف السوداني أن "غلاء المعيشة، ومتطلبات الزواج المتزايدة من قبل أهل العروس أجبرت كثيراً من الشباب على الزواج بالتقسيط، والغالبية أصبحت أمام خيارين أحلاهما مر، فإما مواصلة العزوبية، أو تحمل مسؤولية تسديد الديون الزوجية".