مشروع إنشائي جديد أُطلق أخيراً في مدينة العريش المصرية، الواقعة شمال شرقي محافظة شمال سيناء على البحر الأبيض المتوسط، وهو يتطلب تجريفاً وهدماً اعتادهما أهل المدينة في مشروعَين سابقَين أثّرا سلباً عليهم.
انطلقت آليات الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية في إزالة منازل وشاليهات واقعة عند شاطئ مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، تمهيداً لإنشاء حرمٍ للبحر ومحاور جديدة تستهدف تطوير البنى التحتية في المدينة، حيث تكثر المشكلات الحياتية المرتبطة بالكهرباء والمياه والاتصالات. وهذا المشروع الجديد تحت شعار تنمية سيناء، سوف يؤدي إلى عمليات إزالة واسعة النطاق تطاول مرافق عامة ومنازل مواطنين وشاليهات بحرية ومساجد وطرقات قديمة، في حين يُسجَّل تراجع مستمر في أعداد القاطنين في المدينة نتيجة السياسات والإجراءات المشددة التي تتّخذها قوات الأمن في المحافظة ككلّ، في ظل مواجهتها لتنظيم داعش-ولاية سيناء الإرهابي الذي ينتشر فيها منذ عام 2013.
ميدانياً، بدأت أعمال الإزالة منذ مطلع شهر أغسطس/آب الجاري، في حين تواجهها اعتراضات كثيرة، في ظل عدم مناقشة الخطط مع السكان أو الاستماع إلى رأيهم فيها، خصوصاً أنّ كل المحاور تمرّ من بين منازلهم ومرافقهم. وقد بدأ العمل حالياً في محور الفاتح وكذلك محور الجيش كمرحلة أولى، وسط اهتمام حكومي وكذلك أمني بتنفيذ المحاور في الفترة المقبلة بعد استكمال إنشاء طريق المطار-الميناء على طول 56 كيلومتراً. فتصير عمليات الإزالة الجديدة لإنشاء حرم البحر المشروع الثالث الذي يستهدف مدينة العريش، بعد مشروع إنشاء حرم مطار العريش الذي أدّى إلى تجريف عشرات المنازل والأراضي الزراعية في محيطه، وذلك في أعقاب هجوم استهدف وزير الدفاع صدقي صبحي ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار خلال زيارة للمطار في عام 2017. أمّا المشروع الثاني فهو إنشاء حرم الميناء في عام 2018 الذي أدّى إلى إزالة عشرات المنازل والشاليهات والمرافق الاقتصادية. ويأتي ذلك ليثير القلق بين المواطنين الذين يخشون مصيراً مشابهاً لمصير مدينتَي رفح والشيخ زويد في شمال سيناء، وهو التهجير القسري مع اختلاف الحجج.
تعليقاً على ذلك، كتب الصحافي السيناوي حاتم البلك على صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك": "صباح الخير يا سيناء. العريش العاصمة لشبه جزيرة سيناء تتعرّض للإزالة من الخريطة وفقاً لخطة التنمية للحكومة المصرية، ففي الأمس كان حرم المطار وهدم وتشريد وإزالة ما يقرب من ربع مدينة العريش، ثمّ حرم ميناء العريش البحري الذي أكمل على الربع الثاني، واليوم حرم البحر والمحاور سوف يأتي على الربع الثالث. ولم يتبقَّ من العريش سوى الربع الأخير، الذي لن نعرف مصيره حتى تصبح العريش في خبر كان". أضاف: "نصيحة لأهالي العريش على التقاط الصور في أحياء العريش وشوارعها قبل إتمام عملية المحاور التسعة وقبل الهدم وقبل أن تصبح العريش أطلالاً من الماضي والذكريات".
كذلك كانت تعليقات أخرى لعدد من الناشطين، فكتب ممدوح عبيد أنّ "العريش محاصرة من الجهات الأربع"، مضيفاً أنّ "المحاور سوف تقضي على البقية الباقية". أمّا الأكاديمي أشرف الحجاوي فكتب "ولسّه حرم القطار"، في إشارة إلى خط سكك الحديد الذي سبق لـ"العربي الجديد" أن نشر تقريراً حول الأعمال فيه بهدف مدّه إلى الحدود مع قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. من جهته، أشار سليم الشوربجي إلى أنّ "خطة التنمية التي أُعلن عنها قبل 40 عاماً لم ينفّذ منها شيء، واجتهد الأهالي بالزراعة، حتى المياه ما زالت غير متوفّرة، واليوم طُرحت خطة جديدة لعمل محاور جديدة داخل العريش، والتي تقتضي إجراء إزالات منازل ومساكن الأهالي، وهذا لا يُعَدّ من مقتضيات التنمية، فهناك أولويات أهمّ لم يتمّ طرحها".
وكان محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبد الفضيل شوشة قد فصّل المشروع الجديد قائلاً إنّ ثمّة مخططاً كاملاً لتطوير العريش في مرحلته الثانية، يتضمن إنشاء ثلاثة محاور رئيسية طولية على ساحل البحر ومحاور عرضية لربط بعضها ببعض وتيسير التحرك في ما بينها، بكلفة 500 مليون جنيه مصري (نحو 32 مليون دولار أميركي). وأوضح شوشة أنّ المحور الأول، وهو من المحاور الرئيسية المقرّر إنشاؤها، يشمل شارع الفاتح من البوابة الغربية بمدخل العريش، وصولاً إلى المدخل الشرقي للمدينة عند الريسة على طول الساحل، ويتضمن أربع حارات للذهاب وأربعاً أخرى للعودة. والمحور الثاني يضم شارع الجيش من أمام مديرية الأمن مروراً بجسر ضاحية السلام ومستشفى العريش العام، ليقطع شارع 23 يوليو ويتّجه إلى شارع الساحة الشعبية وميدان العتلاوي وشارع أسيوط وصولاً إلى حيّ المساعيد، مع ثلاث حارات للذهاب وثلاث أخرى للعودة. أمّا المحور الثالث فهو الطريق الدائري خلف المناطق السكنية وصولاً إلى ميناء العريش البحري، ويضم أربع حارات للذهاب وأربعاً أخرى للعودة.
وقد أدّت عمليات التجريف والهدم إلى تضرّر خدمات أساسية للمواطنين، الأمر الذي دفع شوشة إلى الإسراع في إصدار تعليمات إلى الشركات المختصة في مدينة العريش، بضرورة العمل على إعادة الخدمات المعطّلة من جرّاء عمليات الحفر والإنشاءات الجارية. ووفقاً لما جاء على لسان رئيس مجلس مدينة العريش، العميد ماجد محمد أحمد، فإنّ شركة توزيع الكهرباء تواصل أعمال صيانة الكابلات على الطريق الدائري، بعدما تعطلت على خلفية أعمال الحفر في محاور العريش الجديدة، مشيراً إلى أنّ خدمات شركة المياه والصرف الصحي مستمرة ولم تتأثر بالأعمال الجارية، فيما تسعى الجهات المعنية إلى تنفيذ أعمال الإصلاحات المطلوبة سريعاً بهدف التخفيف عن كاهل المواطنين. وفي سياق متصل، قال مسؤول في السنترال الرئيسي بمدينة العريش إنّ عدداً من الكابلات في مناطق العمل بالمحاور الجديدة تأثرت، لكنّ مسار الخطوط تحوّل بعد عمليات التركيب، في حين اتخذت الشركات المختصة احتياطاتها لضمان عدم تأثر المنطقة بعمليات الحفر والتجريف في طريق البحر الساحلي.
تجدر الإشارة إلى أنّ محافظة شمال سيناء تعاني من ضعف في البنى التحتية، ويشمل ذلك قطاع الطرق والمواصلات والاتصالات والصرف الصحي والمياه والكهرباء والإنترنت. وفي خلال الأعوام السبعة الماضية، أُطلقت عشرات المناشدات والمطالبات من قبل السكان بضرورة تحسين الأوضاع المعيشية والظروف البيئية، خصوصاً في ظل الهدوء الأمني النسبي في المحافظة مع تراجع حدّة هجمات تنظيم "ولاية سيناء"، خصوصاً في نطاق مدينة العريش عاصمة المحافظة، في مقابل تجاهل حكومي لكلّ هذه المناشدات، إلى أن أطلقت الحكومة ومعها الجيش أخيراً مشروع المحاور الجديدة.