مبانٍ مكشوفة خالية من النوافذ وحتى النايلون، الذي أصبح نادراً وغير متوفر بفعل ظروف الحرب القاسية. هذا هو الواقع في قطاع غزة الذي يواصل الاحتلال الإسرائيلي قصفه. مناطق أشباح وأبنية تبدو وكأنها غير مكتملة وبلا نوافذ. مع ذلك، يحاول الأهالي الصمود فيها.
وتقول المواطنة ليندا الأعرج (25 عاماً) من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، لـ "العربي الجديد": "شهدنا ليلة الثلاثاء الماضي جريمة بشعة هزت أرجاء المدينة، بعد قصف الاحتلال منزل عائلة أبو خوصه الذي راح ضحيته أكثر من 15 مواطناً جلهم من الأطفال والنساء". تضيف: "لا أستطيع وصف مشاعري. نعيش لحظات عصبية وقد تكسرت نوافذ البيت وتطاير الزجاج في كل الزوايا. مشهد تطاير الزجاج وسقوطه في كل مكان أشبه بانفجار ضغط من دون سابق إنذار"، وسط صراخ الأطفال ورعب النساء وذعر الكبار والصغار.
وتوضح الأعرج أن الزجاج تناثر وجرح عدد من المواطنين الذين حاولوا الهرب ولاذوا بالفرار في حرب أتت على الجميع وشاخ فيها الأطفال قبل أوانهم. وتؤكد أن الأضرار كثيرة ولا يمكن حصرها مع استمرار الحرب الدامية، مناشدةً العالم أن يستيقظ من غفلته ويوقف نزيف الدم الفلسطيني قبل فوات الأوان. وتدعو أصحاب الضمائر الحية والمعنيين بحقوق الإنسان بالتحرك الفوري والعاجل لإنقاذ ما تبقى بشر وحجر، مؤكدةً أن الجميع مستهدف في هذه الحرب الضروس التي طالت الجميع.
أما المواطن رامز القطراوي (40 عاماً) من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، الذي تعرض للقصف العنيف طوال أيام الحرب، تضرر منزله بفعل الضربات المدفعية المتتالية، والقصف المتواصل وتحطمت نوافذه. ويتحدث عن محاولته توفير النايلون الأشبه بالمعدوم بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ حوالي 17 عاماً، لتغطية نوافذ بيته المكشوفة ومحاولة ستره. ويقول: "أصبحت منازلنا مفتوحة ومكشوفة في ظل أجواء باردة نسبياً خلال ساعات الليل التي تتحول إلى ساحة معركة، إذ يتكثف صوت الدمار والقصف ويتعالى صوت الصراخ والخوف".
القطراوي، وهو أب، يؤكد أن غالبية المنازل المحيطة تضررت بشكل كلي أو جزئي، لافتاً إلى أن الظروف التي يعيشها القطاع تتفاقم حدة في ظل الأزمة الاقتصادية وتدمير البنى التحتية منذ عدوان 2008. ويوضح أنه ما من مكان آمن في غزة يمكن أن يلجأ إليه المواطنون في ظل الحرب المستمرة والتي بدت أفق حلها مسدودة، مشيراً إلى أن جميع المواطنين يحاولون متابعة الأخبار التي تنعدم وسائلها بفعل انقطاع التيار الكهربائي منذ اليوم الأول للحرب. ويؤكد أن العائلات المتضررة تحاول توفير أي شي لتغطية نوافذها، سواء بالكرتون أو الخشب أو حتى النايلون الذي بالكاد يتوفر.
ويشدد على أنه حتى لو قصفوا البيوت ودمروها، وقتلوا الأطفال والشيوخ، ستبقى غزة حرة وطنية أبية، وستنهض من جديد، وتنفض غبار الحرب، وتعيد الإعمار لتعود أجمل.
أما محمد مروان سلامة (32 عاماً) من مدينة غزة، والذي يقطن في السويد حالياً، وقد تعرض منزله الكائن بمنطقة الصفطاوي شمال قطاع غزة إلى تدمير نوافذه وتصدع جدرانه، فيقول: "قصفوا المنطقة عبر حزام ناري أسفر عن دمار وهلاك المربع السكني بالكامل". يسكت برهة ثم يتابع: "تلقيت النبأ بصدمة وغصة في بداية الأمر إلا أنني حمدت ربي وشكرته لأنني لم أفقد أحداً من أفراد العائلة، فالمال يعوض".
ويقول سلامة: "منزلي منزل العمر وتعب السنين أصبح خالياً من النوافذ بين ليلة وضحاها، لكن هذا حال الفلسطيني المستهدف في كل المحطات، فهو يدفع ضريبة الهوية. أحمد الله لأن الأضرار مادية ويمكن تعويضها، وأشكره لأنه حمى عائلتي من الإصابة".
ويؤكد سلامة أن الحياة في غزة قاسية وفاتورتها كبيرة، لكنها لا شيء أمام دماء الشهداء التي تسقط في كل لحظة. ويدعو مؤسسات حقوق الإنسان للتحرك لإنقاذ غزة التي أصبحت كومة من الدماء تتجمع في كل الزوايا والطرقات. ويلفت إلى أن "غزة عصية على الانكسار، وستبقى ثابتة وخالدة رغم أنف الاحتلال، ستبني البيوت من جديد، بسواعد أبنائها البواسل الذين سيواصلون العمل ليل نهار، ليعيدوها من جديد منارة لجميع الأحرار".
حال هذه العائلات هو كحال الكثير من الغزّيين الذين تضررت منازلهم بفعل القصف العنيف من خلال فقدانهم للنوافذ أو تصدع جدران منازلهم. لكن يبقى السؤال: إلى متى سيبقى القطاع مستهدفاً؟