تشهد أساليب مكافحة المخدرات في الكويت "شدّ حبال" ما بين أجهزة الأمن التي ترفض التراخي في الإجراءات وبين خبراء وقانونيين يدعون إلى اعتماد ردع بالتوعية والعلاج. ويحذّر الأخيرون من "وصمة العار".
تعد مشكلة إدمان المخدرات إحدى المشاكل الاجتماعية في الكويت، في وقت تتعامل فيه أجهزة الأمن بحزم وقسوة مع التجار والمدمنين على حد سواء، ما يفتح نقاشاً واسعاً حول ضرورة مراجعة السياسة الأمنية الخاصة بالمخدرات للتقليل من العدد المتصاعد للمدمنين في البلاد. وبلغ عدد المتهمين بقضايا مخدرات بين عامي 2010 و2020 حوالى 25 ألفاً تورطوا بـ 19 ألف قضية، فيما يتراوح عدد المدمنين بين 40 و50 ألفاً، ونسبة ارتباط المخدرات بالجرائم المرتكبة بـ 65 في المائة (35 من أصل 50 جريمة). وقد توفي 650 شخصاً بسبب جرعات زائدة خلال 9 أعوام.
يقول مدير إدارة مكافحة المخدرات بدر الغضوري لـ"العربي الجديد": "زاد عدد المدمنين في الكويت في السنوات الأخيرة، في ظل مواجهة الكويت حملات مخدرات كثيفة من عصابات تعرف جيداً أن دخل الفرد مرتفع، وأنها تملك فرصة كبيرة في تسويق المخدرات وبيعها بين الشبان. أما الحلول فتتمثل في تشديد القبضة الأمنية على تجار المخدرات، ومحاولة توعية المدمنين والشبان، وتوفير متطلبات علاجهم".
من جهته، يقول الأمين العام للاتحاد العربي للوقاية من الإدمان الدكتور خالد الصالح لـ"العربي الجديد" إن "حلول الإدمان ليست أمنية فقط، بل تمتد إلى معالجة المدمنين، وتوفير بيئة آمنة ومثالية لمنع عودتهم إلى تعاطي المخدرات، خصوصاً أن الحصول عليها بات أكثر سهولة في الفترة الأخيرة مع انتشار أنواع رخيصة، لكنها أكثر فتكاً". ويشير إلى أن "برامج مكافحة الإدمان تراجعت بنسبة 50 في المائة خلال السنوات الأخيرة، بسبب ضعف الإنفاق الحكومي الذي أوقف عمل لجان للمكافحة والتوعية والعلاج، وتفاقم مشاكل المخدرات في الكويت والعالم العربي عموماً".
ويرى الباحث في جامعة الكويت، خليل خالد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الحلول الأمنية لمشكلة المخدرات باتت من الماضي، وهو أمر تثبته دراسات علمية لا جدل في شأن نتائجها، علماً أن تجربة البرتغال كشفت أن عدم تجريم قضايا المخدرات، ومعالجة متعاطيها بدلاً من سجنهم وتلويث سجلهم الجنائي، خفّضا الاستهلاك في شكل كبير، وأيضاً نسبة الوفيات بسبب تناول جرعات زائدة. أما في الكويت فما زالت المكافحة الأمنية الأكثر ترجيحاً في التعامل مع الموضوع".
في هذا السياق، يطالب السياسي الناشط في مجال حقوق الإنسان محمد الظفيري بوضع حد للممارسات الأمنية ضد متعاطي المخدرات، ويقول لـ"العربي الجديد": "يجب زيادة الوعي بضرورة وقف سجن الأحداث والمراهقين الذين يتعاطون المخدرات، فوصمهم بالعار يجلب تأثيرات سلبية عليهم تمتد طوال حياتهم، علماً أن نسبة السجناء الأحداث المتهمين بقضايا المخدرات تناهز 60 في المائة. وتفيد التجارب بأن تلطيخ سجلهم الجنائي ومنعهم من ممارسة حياتهم يدخلهم في سلك الجريمة، في وقت يجب توفير علاج نفسي وصحي مناسب لهم".
ويعاقب القانون الكويتي متعاطي المخدرات بالسجن مدة قد تصل إلى 7 سنوات، أما الذين يجري توقيفهم لمجالستهم متعاطي المخدرات فقد يحكم عليهم بالسجن سنتين كحدّ أقصى حتى لو لم يتعاطوا المخدرات. وهنا يكشف المحامي سعود الظفيري لـ"لعربي الجديد" أن "مئات من الشبان أودعوا السجن بسبب تعاطيهم المخدرات للمرة الأولى، أو بسبب وجودهم بلا علمهم في مجالس ضمّت متعاطين. وأحياناً، لا تظهر أجهزة الأمن الملتزمة تطبيق إجراءات مشددة وصارمة في عمليات مكافحة المخدرات، أي تعاطف معهم. من هنا لا بدّ من أن تنظر لجان متخصصة في موضوع المخدرات بالسجل الجنائي لكل متعاطٍ، ولا تضعهم جميعهم في خانة واحدة مع تجار المخدرات والمهربين الذين يجب أن تطبق عقوبات صارمة في حقهم من أجل ردعهم عن مخالفاتهم التي تجلب الويلات إلى حياة الناس والمجتمعات".
في المقابل، يعتبر ضابط في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن أجهزة الأمن تخوض حرباً شرسة مع تجار المخدرات، ما يحتم تشديدها قبضتها في ملاحقتهم واعتقالهم، خصوصاً في ظل إجماع المراقبين والمحللين على تعمّد استهداف الكويت بسبب ارتفاع دخل مواطنيها الذي يسمح حتى بشراء مراهقين المخدرات. ويلفت إلى أن الأجهزة الأمنية تضبط شهرياً أطناناً من المخدرات المهرّبة براً وبحراً وجواً. يضيف: "نردّ على الكلام عن حصر التعامل مع المدمنين بالحلول الأمنية بأننا نطبق قانون مكافحة المخدرات، وندعو من يريد أن نجمّد القانون ويخضعه لتعديلات إلى رفع مطالبه أمام مجلس الأمة".
ويتابع الضابط الذي رفض كشف اسمه لضرورات أمنية: "ليس مقبولاً التشكيك في الأساليب التي يعتمدها رجال الأمن في تطبيق القانون أو في التعامل مع الأفراد، لأنهم يعملون ويتحركون استناداً إلى نص قانوني مكلفون تطبيق بنوده بحذافيرها، في حين يحاولون تخفيف العقوبات الخاصة بقضايا صغار المدمنين، والبحث عن مخارج قانونية لهم عبر إرسالهم إلى وزارة الصحة للعلاج، لكن في نهاية الأمر لا بدّ من عقوبات تردع المخالفات المسيئة للمجتمع". يضيف: "نحترم آراء الاختصاصيين القانونيين، لكننا ندعوهم إلى سلوك الطرق الدستورية والتشريعية لتعديل النصوص الموضوعة قيد التنفيذ".