تروي الفلسطينية خديجة فتح الله، من مواليد العام 1939 في بلدة الزيب (شمال عكا)، قصة لجوئها إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان) وذكرياتها في بلدتها. تقول: "تقع الزيب على شاطئ البحر. كانت منطقتنا تعجّ بالخيرات، فعندما كان أبي يسأل أمي عن وجبة الطعام التي تعدها للغداء، من دون أن يكون لديها أيّ جواب، كان يأخذ شبكته وينزل إلى البحر، فيعود بها ممتلئة بخيرات البحر من الأسماك".
تتابع: "تلك الأيام الجميلة تبدّلت بعد هجمات الصهاينة على البيوت والقرى، وهو ما دفع الأهالي إلى ترك منازلهم، خصوصاً بعد المجازر التي ارتكبت في القرى المجاورة، ومحاولة الصهاينة استهدافنا بمختلف الطرق".
وعن الحادثة التي أدت إلى تهجيرها من بلدتها تقول خديجة: "وضع بعض الصهاينة الألغام أسفل جسر التنك وهاجموا أهل القرية، فدافع شبان البلدة عن أنفسهم بإشعال أصابع الديناميت المخصصة لصيد الأسماك ورميها عليهم، ما أدى في إحدى المرات إلى إصابة لغم أرضي وانفجاره، فأوقع قتلى وجرحى في صفوف الصهاينة. وبعد ثلاثة أيام من الحادثة، أراد الصهاينة الانتقام لقتلاهم، فقتلوا عشرة شبان بعدما نصبوا كميناً محكماً لهم، ما دفع أبي وآخرين إلى المغادرة".
تكمل خديجة حديثها عن حياة والدها في بلدته: "كان رجلاً طيباً وكريماً، وكانت له أرض أعطاها لأولاد أخيه لإعالتهم، كما كان يدير مدرسة يتولى عبرها تعليم الأطفال مادة العلوم الدينية والشرعية، وكان يملك محلاً لبيع القماش".
تصف خديجة رحلة تهجيرها بالـ"صعبة جداً"، فالطريق كان طويلاً ووعراً وضيقاً: "تنقلنا بين قرى لبنانية عدة، قبل أنّ ينتهي بنا المطاف في مخيم عين الحلوة، فنصبنا الخيم المقدمة من الأمم المتحدة، والتي كانت تقدم لنا الطعام على شكل معونات أيضاً".
تسترجع ذكرياتها مع الدراسة وتلك الفترة التي يبدأ الإنسان فيها بالتعرف على محيطه. الظروف كانت مختلفة تماماً بالنسبة إليها، فالمدرسة كانت عبارة عن شوادر وُضعت لتحمي الأطفال من الشمس، وكانت ظروف تلك الفترة لا تسمح بالتعليم، لكنّها استطاعت أنّ تكمل دراستها حتى أنهت تعليمها المتوسط.
تختم حديثها قائلةً: "رغم سنوات النكبة، فالحنين لم يفارق قلبي يوماً إلى منزلي وقريتي، التي زارها أهلي بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ووجدوا أنّ اليهود قد استوطنوها. تقول: "عندها بكت والدتي من هول المشهد، وقد قالت لها المُغتصِبة لمنزلنا: هذا المنزل لم يعد لكم. حينها بكى والدي أيضاً وحمل معه حفنة من التراب، وقطف بضع حبات من الزيتون وأحضرها معه إلى لبنان".