"كنت في الخامسة من العمر عندما تركت فلسطين برفقة جدي لأمي. لم أعد أذكر بيتنا، بل فقط أنه كان يحتوي بئر ماء. كان والدي يعمل حلاقاً، وكان جدي إماماً لمسجد بلدة السميرية التي أتحدر منها". هذا ما يقوله الحاج محمود أحمد شحادة عبد العزيز الذي يقيم في حي الطوارئ المحاذي لمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا، جنوب لبنان، لـ"العربي الجديد"، يضيف: "لم أكن في منزل عائلتي حين خرجنا من فلسطين، بل في منزل جدي لأمي ببلدة الزيب. توجهنا على حمير إلى جنوب لبنان، وقصدنا مدينة صور ثم حماة في سورية لأن جدي لم يرغب في البقاء بلبنان. وعشنا نحو سنة في حماة، ثم عدنا إلى لبنان، والتقيت بأهلي".
يضيف: "عشنا 3 سنوات في بيت من الخشب بمنطقة الجميزة في مخيم عين الحلوة، ثم بنيناه بحجارة بعدما بدأ والدي بالعمل في الحلاقة. وتحسنت أوضاعنا نوعاً ما بعدما عشنا أياماً عصيبة، إذ عاملنا رجال الدرك (الشرطة) بطريقة سيئة، ولم نستطع حتى أن نلقي نقطة ماء لتنظيف الأرض".
ويخبر عبد العزيز بأن "البيت ضم غرفة واحدة بلا مطبخ وحمام، وإذا أردنا الذهاب إلى الحمام، نقصد البستان". وفي شأن التعليم، يروي أنه التحق بمدرسة، ثم انضم إلى أبيه الذي علمه مهنة الحلاقة، قبل أن يتركها ويعمل في البناء.
ويروي أن الطيران الإسرائيلي قصف منطقة الجميزة في مخيم عين الحلوة، فتهدمت البيوت، وانتقلت عائلته للعيش في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، حيث سكن أفرادها في غرفة واحدة لا تحتوي أي خدمات، فكانت النساء يغسلن الملابس وينظفن الصحون في حوض مياه الشرب المخصص للتلاميذ، ويستحم الأطفال على الأرض خارج الغرف، ويقول: "بقينا على هذه الحال 4 سنوات، ثم اشترى والدي المنزل الذي نقيم فيه اليوم، وكان يضم غرفة واحدة أيضاً بلا سقف باطون. ولأنني أعمل في البناء شيّدت البيت على مراحل".
على الصعيد الشخصي، أنجب عبد العزيز عشرة أولاد تعلموا جميعاً في المدارس، ونال بعضهم شهادات جامعية، ويقول: "عملت طوال العمر كي أعيش بكرامة، لكن ذلك لم يحصل لأنني عشت بعيداً عن وطني فلسطين الذي أتمنى أن أعود إليه. حين زار جدي بيته وأرضه، التقى سيدة يمنية تسكن في المنزل، وتكلم معها باللغة العربية، فسألته عن سبب وجوده في بيتها وأرضها، فأجابها بأن هذه الأرض لي، وردّت عليه: اذهب، كانت لك وصارت لي، فبكى جدي. وعندما عاد إلى لبنان مات بنوبة قلبية بعد يومين".