استمع إلى الملخص
- عانى نبعة من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، بما في ذلك العزلة التامة والضرب المستمر، وشهد عمليات تعذيب ممنهجة مثل الصعق بالكهرباء والجلد.
- بعد الإفراج عنه، واجه صدمة اللقاء مع عائلته بعد 12 عاماً، مشيراً إلى أن السجون في سوريا أكثر من المدارس، بينما لا يزال 622 لبنانياً مختفين قسراً.
أمضى اللبناني جمال حسن نبعة 18 عاماً متنقلاً بين معتقلات النظام السوري المخلوع، وواجه أقسى أشكال التعذيب وانتهاك الكرامة الإنسانية، ونقل بعدما حررته فصائل المعارضة السورية التي أسقطت نظام بشار الأسد، صورة مأساوية عن المعتقلات التي اختُطفت فيها أرواح عشرات الآلاف. قال نبعة (63 عاماً) الذي عاد إلى بلدته شبعا، أول من أمس الثلاثاء: "تعرضت لكل أنواع التعذيب، ونُقلت بين سجون عدة بسبب تهمة ملفقة لم أرتكبها".
بدأت مأساة جمال عام 2006 عندما اعتقلته استخبارات جيش النظام السوري بتهمة "التواصل مع العدو الإسرائيلي"، وانضم إلى مئات اللبنانيين في معتقلات سورية. وقال عن اعتقاله: "لم تتوفر تهمة حقيقية ضدي. كنت أرعى الغنم في بلدة بيت جن السورية قرب الحدود اللبنانية، وتواصل معي رجل في المخابرات السورية واستدعاني إلى فرع فلسطين في دمشق بتهمة التواصل مع إسرائيل عبر هاتفي اللبناني".
و"فرع فلسطين"، المعروف أيضاً بـ"الفرع 235"، هو أحد المراكز الأمنية التابعة للاستخبارات العسكرية السورية، ويشتهر بسمعته السيئة في ممارسات التعذيب الوحشي والاحتجاز غير الإنساني. أضاف: "كنت فقط أتوجه يومياً من بلدة شبعا اللبنانية إلى بلدة بيت جن السورية، ولم ألتقِ بأي عدو، لكن المحققين أجبروني على الاعتراف بتهمة ملفقة، وبعد محاولات الضغط والتعذيب قلت لهم ساخراً نعم خطئي الكبير أنني جئت إلى هذا البلد. حينها تلقيت تعذيباً أشد قسوة إذ لم يسمحوا لي بالنوم، ورشوا عليّ مياه مثلجة، ومارسوا ضدي أساليب تعذيب أخرى".
وعلّق أيضاً: "عايشت في فرع فلسطين أشياءً لا يمكن أن يتخيّلها أحد. لم يكن هناك مكان للجلوس أو النوم. الوضع كان أشبه بالجحيم، وكان الطعام الذي يُقدم لمئات السجناء قليلاً جداً". وذكر أن أصعب تجاربه في فرع فلسطين كانت خلال احتجازه في "المنفردة"، زنزانة الحبس الانفرادي التي تُعرف بظروفها القاسية وغير الإنسانية. وقال: "أمضيت 97 يوماً في المنفردة في تجربة لا يتحملها أحد. كان الضرب مستمراً، والطعام الذي يُقدم سيئاً لدرجة أننا لم نستطع التعرف عليه. كانت المنفردة عذاباً لا يوصف. لم يُسمح لنا ببطانية أو أي شيء. وإذا طلبنا شيئاً بسيطاً كان الرد دائماً بمزيد من التعذيب والضرب".
وأشار جمال إلى أنه بعد هذه الفترة القاسية، تنقل بين فروع أمنية أخرى لم يعرف أسماءها أو مواقعها، حتى انتهى به الأمر في سجن صيدنايا بريف دمشق المعروف باسم "المسلخ البشري" كونه شهد عمليات تعذيب وإعدام ممنهجة على يد النظام السوري لعدد كبير من المعتقلين.
وعن تجربته في سجن صيدنايا، قال: "شعرت بأنني سأُعدم، إذ عايشت أشكالاً أخرى من العذاب، مثل الصعق بالكهرباء، والجلد، والرمي بالماء المثلج، والزحف على الأرض مثل الدجاج. وفي الأيام الأخيرة كنا 124 شخصاً محشورين في غرفة واحدة في سجن عدرا المركزي بريف دمشق، وعندما وصل الثوار قالوا لنا اخرجوا، لم يعد هناك نظام، لكننا ترددنا خوفاً من أن يكون الأمر خدعة فخرج أحد المعتقلين وتحقق من الأمر، ثم عاد وأخبرنا صدقوا انتهى كل شيء، والآن أنا خارج السجن". تابع: "في تلك اللحظات تشجعت وخرجت مع شاب أردني. وعندما وصلنا إلى خارج السجن كان شعوري أشبه بمعجزة. حمدنا الله على نجاتنا من العذاب الذي لا يمكن وصفه. كنت أشعر بأنني على فراش الموت".
وعن لقائه المؤثر مع عائلته بعد سنوات طويلة من الفراق، قال بأسى: "عندما عدت إلى المنزل لم أعرف أولادي وأبناء إخوتي، إذ قُطعت عني الزيارات منذ 12 عاماً. لقد زرع النظام المخلوع الألم في أعماقنا. شهدت في السجن أشياءً لا يمكن أن تخطر على بال أحد، وحتى لو تحدثت عنها، لا أعتقد بأن أحداً سيصدقها". وختم: "السجون في سورية أكثر من المدارس"، في إشارة إلى حجم القمع والاعتقالات التي طاولت الآلاف. ووفقاً لجمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية (غير حكومية)، لا يزال 622 لبنانياً في عداد المختفين قسراً داخل السجون السورية.
(الأناضول)