بتر الأطراف... 11 ألف ضحية خلال العدوان على غزة

20 يوليو 2024
فقد آلاف من أطفال غزة أطرافهم بسبب العدوان (هاني الشاعر/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **معاناة الجرحى في غزة**: ينتظر أكثر من 10 آلاف جريح ومريض في قطاع غزة السفر للعلاج خارج القطاع منذ إغلاق معبر رفح في مايو الماضي، بما في ذلك 11 ألف حالة بتر أطراف، منها 4 آلاف طفل.

- **قصص مؤلمة**: محمد أبو شاويش (10 سنوات) ويوسف البريم (23 سنة) وإيمان البدوي (35 سنة) يعانون من بتر الأطراف وظروف صعبة بسبب إغلاق المعبر.

- **تفاقم الأزمة الصحية**: استمرار العدوان الإسرائيلي والانهيار الطبي في غزة يؤدي إلى نقص حاد في الأدوية والمضادات الحيوية ووسائل التعقيم، مما يزيد من معاناة الجرحى.

يتجاوز عدد الأطفال الذين بترت أطرافهم 4 آلاف طفل

يضطر الأطباء إلى بتر أطراف تضررت في القصف لإنقاذ حياة المصاب

الكثير من هؤلاء مهددون حالياً لعدم توافر الرعاية الطبية اللازمة

ينتظر أكثر من 10 آلاف جريح ومريض في قطاع غزة السفر للعلاج خارج القطاع منذ سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح البري وإغلاقه في السابع من مايو/ أيار الماضي، وهؤلاء هم الحالات التي أخبرهم الأطباء أنه لا إمكانية لحصولهم على الرعاية اللازمة في المراكز الصحية بالقطاع في ظل ظروف العدوان القائمة. وتبرز المعاناة الأصعب بين الفلسطينيين الذين تعرضوا لبتر أطرافهم، سواء تسبب القصف الإسرائيلي في البتر مباشرةً، أو اضطر الأطباء إلى بتر أعضاء تضررت من جراء القصف حتى ينقذوا حياة المصاب، والكثير من هؤلاء مهددون حالياً لعدم توافر الرعاية الطبية اللازمة لحالاتهم.

وتقدَّر أعداد حالات بتر الأطراف بقرابة 11 ألف حالة في مختلف مناطق قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، ويتجاوز عدد الأطفال الذين بترت أطرافهم 4 آلاف طفل. وقد أجرى الأطباء عملية بتر ليد الطفل محمد أبو شاويش (10 سنوات)، وهو من ضمن مئات الأطفال الذين بترت أطرافهم خلال الشهرين الأخيرين بعد ارتفاع عدد المصابين من الأطفال، في ظل تكثيف القصف الإسرائيلي على مدارس الإيواء ومناطق تجمع النازحين.

يضطر الأطباء إلى بتر أطراف تضررت في القصف لإنقاذ حياة المصاب 

تعرّض أبو شاويش لإصابة في كامل الذراع حتى منطقة الكتف، ووضع الأطباء له جبيرة كانت تغطي ذراعه كله، وكان يتلقى علاجاً مكثفاً داخل المستشفيات الميدانية التي يغطي بعض منها إصابات الأطفال، لكن نتيجة الحر الشديد، كانت الالتهابات تتزايد، ولم يستطع الأطباء فك الجبيرة عن يده خشية أن تمتد الالتهابات إلى بقية أجزاء الجسم، وحاولوا كثيراً علاج تلك الالتهابات، لكن الإمكانات كانت محدودة للغاية، ما دفعهم في النهاية إلى الاستسلام لقرار البتر.

كان الطفل أبو شاويش ممن يأملون الخروج للعلاج خارج قطاع غزة بعد سماح الاحتلال الإسرائيلي لعشرات الأطفال المصابين بمرض السرطان بالمغادرة للعلاج ضمن حالات استثنائية جاءت بناءً على ضغوط من مؤسسات حقوقية وإنسانية، لكن الانتظار طال كثيراً، وبات يهدد حياته. يقول والده محمود أبو شاويش لـ"العربي الجديد": "بتر أطراف طفل أصعب كثيراً من تعرّض شاب أو رجل للبتر، فجسد الطفل لا يتحمل كل هذه الآلام، وطفلي كان مثل كثير من الأطفال، يعتقد أنه لو بترت يده يمكنه أن يستبدلها بيد أخرى كحال الأسنان، وعندما اكتشف أن ذلك غير ممكن، بكى كثيراً، فقد كان يمارس لعبة الجمباز، وكانت متعته الوحيدة اللعب على شاطئ البحر". يضيف: "أصيب طفلي عندما قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً كنا نقيم فيه بمدينة رفح في إبريل/ نيسان الماضي، ووصلنا إلى البتر بسبب نقص الأدوية والرعاية الطبية، علماً أنه حصل على موافقة للعلاج في تركيا في بداية مايو الماضي، لكن احتلال المعبر دمر كل خطط السفر. كان ابني يقف أمامي محاولاً فهم معنى كون المعبر مغلقاً، ثم يبكي لأنه يريد استعادة يده، وكنت في البداية أكذب عليه، حتى عجزت عن مواصلة الكذب".

معرضان لخطر البتر بسبب نقص العلاج (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
معرضان لخطر البتر بسبب عدم توفر العلاج (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

قرر الأطباء بتر ساق يوسف البريم (23 سنة) في نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، بعد انتظار السفر إلى الخارج الذي دام أكثر من 50 يوماً لإجراء عملية جراحية عاجلة في عظام الساق، وكذلك الأوردة الداخلية ومنطقة الحوض، بعد تعرضه لإصابة خطيرة داخل أحد المنازل التي دمرها قصف إسرائيلي في مدينة خانيونس. 
أصيب البريم في مارس/ آذار الماضي، وتنقل بين عدد من المراكز الصحية والمستشفيات لتلقي العلاج المؤقت، وأُجريَت عملية جراحية له في مستشفى أبو يوسف النجار بمدينة رفح، الذي خرج عن الخدمة بعد العملية العسكرية الإسرائيلي على المدينة، وقبل أسبوعين من اجتياح رفح، وُضع اسمه ضمن كشوف الطوارئ بعد ملاحظة الأطباء تفاقم الالتهابات في جسده، التي باتت تشكل خطورة على حياته في ظل إمكانات محدودة لتقديم الرعاية الطبية وعدم القدرة على إجراء عمليات جراحية. 

جرت حالات بتر بسبب الحرارة الشديدة التي تؤدي إلى تفاقم الالتهابات

يحتاج يوسف إلى عمليات جراحية في الأعصاب والعظام، إضافة إلى عملية صعبة في منطقة الحوض قد تمتد لساعات، وهو كذلك بحاجة إلى رعاية كثيفة لمدة لا تقل عن 3 أشهر، وكل هذا غير متوافر حالياً في قطاع غزة. داخل خيمة في منطقة المواصي، يعيش البريم في ظل درجات حرارة يشبهها بحرارة الفرن، وقد بدأ يتعافى من بعض الآلام التي لازمته منذ عملية البتر، وحصل أخيراً على بعض الأدوية والمسكنات من المستشفى الميداني التابع لمنظمة الإغاثة الدولية، وهي من بين الأدوية التي دخلت أخيراً عبر معبر كرم أبو سالم. 

ويقول يوسف البريم لـ"العربي الجديد": "قبل بتر ساقي، كنت أتنقل بين عيادات ومراكز صحية وخيام طبية للحصول على العلاج، وعادة ما كنت أنتظر وجود شخص يساعدني في التنقل عبر الكرسي المتحرك، فإصابتي خطيرة، وأثرت في جسدي كله، ثم زادت الالتهابات، وكان العلاج بلا فائدة، لكونه ضعيفاً وغير متناسب مع حالتي، وكانت الالتهابات تتزايد في ساقي اليمنى، والعلاج لا يمكنه حتى تخفيف الآلام". يضيف: "وصلت الالتهابات في ساقي إلى حد خطير، وفي بعض الأيام كانت الديدان تخرج من ساقي، وكثيراً ما تعرضت للإغماء من شدة الألم، عندها قرر الأطباء إجراء عملية بتر لساقي لإنقاذي، لكنني ما زلت أشعر بآلام، وأخبرني الأطباء أنني أحتاج إلى رعاية صحية مكثفة، وأن ذلك غير متوافر في قطاع غزة، وحالياً أنتظر فتح المعبر للخروج للعلاج، سواء في مصر أو أي دولة أخرى".

  

العلاج في الخارج هو الأمل الوحيد قبل قرار البتر (محمد عابد/فرانس برس)
العلاج في الخارج هو الأمل الوحيد قبل قرار البتر (محمد عابد/فرانس برس)

بدورها، تعرضت قدم إيمان البدوي (35 سنة) للبتر في بداية يوليو/ تموز الحالي، بعد أن فشل الأطباء في محاولات علاجها، وهي من ضمن الحالات التي تفاقمت آلامها نتيجة نقص العلاج، وكذلك عدم إمكانية العلاج في الخارج. وتعرضت إيمان للإصابة مرتين خلال العدوان، في المرة الأولى أصيبت في ساقها نتيجة قصف مباشر لشقة سكنية في حيّ النصر، في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفي المرة الثانية أصيبت في قصف على مخيم النصيرات في إبريل، وكانت الإصابة في الساق نفسها، بعدها حصلت على نموذج للعلاج بالخارج نظراً للكسور والالتهابات وتفسخ العضلات العلوية بالساق، لكنها لم تتلق علاجاً مناسباً، ولا أي رد بشأن السفر للعلاج بالخارج، ومع تفاقم الآلام، أُجريَت عملية جراحية لها، بترت خلالها الساق بالكامل.

وتقول البدوي لـ"العربي الجديد": "كأم، كنت قوية للغاية في نظر ابنيَّ الاثنين، لكنهما الآن ينظران إليّ باستغراب شديد. في الأيام الأولى التي تلت بتر ساقي، كانا يخافان الاقتراب مني، رغم أنني أحنّ عليهما من كل البشر، لكنهما باتا يحاولان الاقتراب بحذر. أنا المرأة الثالثة في العائلة التي تعرضت لبتر أطراف بعد الإصابة، وبُترت ساقي التي كان يمكن إنقاذها بسبب عدم توافر العلاج في غزة، وعدم إمكانية السفر للعلاج، بينما بُترت أطراف امرأتين أخريين من العائلة نتيجة القصف الإسرائيلي مباشرة". 

من جانبه، يتوقع طبيب العظام محمد الشيخ إجراء المزيد من جراحات البتر لإنقاذ الجرحى، في ظل استمرار المجازر الإسرائيلية، واستهدافها المناطق والأماكن المزدحمة بالسكان، إلى جانب الانهيار شبه الكامل للمنظومة الطبية في القطاع، وغياب أنواع عديدة من الأدوية اللازمة، ومن بينها المضادات الحيوية والمسكنات القوية التي يحتاج إليها المصابون في العظام، وحتى غياب وسائل التعقيم ذات المفعول القوي في بعض النقاط الطبية. 

يقول الشيخ لـ"العربي الجديد": "خلال الفترة الأخيرة، جرت حالات بتر أطراف بسبب الحرارة الشديدة التي تؤدي إلى تفاقم الالتهابات، وعدم الحصول على غذاء جيد، ما يضعف مناعة الجسد أمام مقاومة الأمراض والبكتيريا والفيروسات، كذلك إن المياه التي تستخدم لأغراض النظافة الشخصية شحيحة، أو غير نظيفة، ولا تتوافر لدينا الكثير من المطهرات اللازمة للتعامل مع الجروح. هناك نقص فادح في أعداد المراكز الصحية المطلوبة لتوفير العلاج بعد خروج المستشفيات الكبرى عن الخدمة، وهناك الآلاف من المصابين والمرضى الذين يحتاجون إلى المبيت في المستشفيات للحصول على الرعاية الطبية المكثفة، لكن ذلك غير متوافر بالمرة".

المساهمون