كشف وزير الداخلية البريطاني، جيمس كليفرلي، في 4 ديسمبر/ كانون الأوّل، عن سلسلة من التدابير الجديدة الخاصة بالهجرة، ضمن خطة شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الحاجة إلى العمالة الماهرة وضبط الأعداد، ويتوقع أن تدخل تلك التدابير حيّز التنفيذ في ربيع عام 2024.
وتطاول سياسات الهجرة الجديدة تعديل قائمة المهن التي تعاني البلاد من نقص فيها، والعمل على تشديد القواعد المتعلقة بإحضار الطلاب أفراد أسرهم إلى المملكة المتحدة، كذلك ستُكلَّف اللجنة الاستشارية للهجرة إجراء مراجعة كاملة لمسار تأشيرة الدراسات العليا التي قُدِّمَت في عام 2021، والتي تسمح للخريجين الدوليين بالبقاء في المملكة المتحدة لمدة عامين بعد الدراسة.
وأفاد مكتب الإحصاءات الوطنية بأن العدد وصل إلى 672 ألف مهاجر خلال العام المنتهي في يونيو/حزيران 2023، وهو أعلى كثيراً مما كان متوقعاً. في حين أكد كليفرلي أن الضوابط الجديدة يمكن أن تؤدي إلى تقليل عدد الأفراد الذين يستوفون الشروط القانونية للدخول بنحو 300 ألف شخص.
وكانت زيادة الأعداد مدفوعة جزئياً بزيادة عدد المهنيين الأجانب القادمين للعمل، ومخطط الوافدين من هونغ كونغ، ومن أوكرانيا، ما دفع كليفرلي إلى رفع الحد الأدنى لأجور العمال الأجانب المهرة من 26200 إلى 38700 جنيه إسترليني، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة، أبرزها في قطاع الرعاية.
وحذّر رئيس مجموعة الرعاية المستقلة، مايك بادغام، من أن التغييرات في قواعد الهجرة لم تعد تسمح للعاملين في مجال الصحة والرعاية بإحضار المُعالين معهم إلى المملكة المتحدة، وأنّ هذا "يهدّد بإغلاق دور الرعاية" لأن نقص الموظفين سيجعل بعضها عاجزاً عن تلبية الحد الأدنى من مستويات التوظيف الآمنة، وفي حال حدوث ذلك سيزيد الضغط على هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
وسيكون لرفع الحد الأدنى لمتطلبات الدخل للحصول على تأشيرة الزوج أو الأسرة من 18600 إلى 38700 جنيه إسترليني، تأثير يمزّق العائلات ويصعّب لمّ شملها، ووفق مرصد الهجرة، فإن نحو 70 في المائة من الموظفين العاملين في المملكة المتحدة لا يحصلون على هذا الرقم، وأن النسبة ترتفع إلى أكثر من 75 في المائة بالنسبة إلى النساء.
ويوضح المستشار القانوني وخبير شؤون الهجرة في بريطانيا، علي القدومي، لـ"العربي الجديد"، أن تداعيات هذه التدابير الجديدة ستكون كبيرة على أفراد المجموعات الديمغرافية. ويقول: "ستواجه النساء ذوات الدخل المنخفض تحدّيات مالية متزايدة تؤثر بقدراتهن الاقتصادية، ويمكن أن يؤثر هذا بدوره في الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، كذلك ستودي الفوارق في مستويات الدخل إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة بين الجنسين، ما يحدّ من فرص التقدم الوظيفي والاستقلال الاقتصادي، إضافة إلى أنه يمكن أن يكون لهذه التغييرات آثار على الأسر والمجتمعات التي تلعب فيها المرأة أدواراً محورية".
ويضيف القدومي: "يكسب الموظفون العاملون بدوام جزئي أقل من قيمة الحد الأدنى المفروض، وبالتالي سيواجهون ضغوطاً مالية تؤثر بقدرتهم على البقاء في المملكة المتحدة، ويتوقّع زيادة طلبات الاستثناء المرتبطة بالمتطلبات المالية الجديدة، خصوصاً من قبل الأفراد الذين لا يستوفون الشروط، والذين سيضطرون إلى الاستعانة بطرف ثالث لتوفير المبالغ المطلوبة، ما يعني زيادة الضغط على السلطات لتقديم استجابات فعالة وملائمة للحالات الاستثنائية".
ويقدّم المستشار القانوني البريطاني بعض النصائح للأفراد الذين يفكرون في تقديم طلبات استثناء، بما في ذلك تقييم الحالة الشخصية لفهم ما إذا كانت هناك أسس قانونية لتقديم الطلب، وقد يكون ذلك مرتبطاً بالدخل أو الالتزامات المالية الفعلية، وعليهم جمع الوثائق اللازمة لدعم الطلب، مثل الإقرارات الضريبية وشهادات الدخل، كذلك يمكنهم اللجوء إلى محامٍ لتقديم استنتاج قانوني قوي، أو لعب دور الوسيط مع السلطات المعنية.
لا يغفل القدومي التحدّيات التي ترافق تمسّك رئيس الوزراء ريشي سوناك بخطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وخصوصاً المتعلقة بسلامة الأفراد، والتحديات القانونية لتنفيذها. ويقول: "قد تتعرض المملكة المتحدة لضغوط دولية إذا استمرت في تنفيذ خطط ترحيل يُنظر إليها على أنّها تنتهك معايير حقوق الإنسان، ويتعين على الحكومة النظر بعناية في التوازن بين الأمور الأمنية والتزاماتها الدولية".
ويظل مستقبل هذه الإجراءات الجديدة غامضاً، إذ لا يمكن تحديد ما إذا كان العمل بها سيتواصل، أو تشهد تغييرات جوهرية اعتماداً على نتائج الانتخابات العامة المقررة في 25 يناير/كانون الثاني 2025.