في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تجاوز عدد سكان العالم 8 مليارات نسمة، مقارنة بـ7.2 مليارات في عام 2015. ويؤكد الخبراء أن معدل النمو الحالي ليس بالسرعة التي كان عليها في السابق، وأنه الأبطأ منذ عام 1950، إلا في عدد من الدول، ومن أبرزها الهند التي تُعَدّ واحدة من دولتين فقط في العالم تضم عدد سكان يفوق المليار نسمة، بعد الصين.
يتوقع صندوق الأمم المتحدة للسكان أن يفوق عدد سكان الهند البالغ حالياً 1.41 مليار نسمة، عدد سكان الصين البالغ 1.42 مليار نسمة بحلول منتصف العام الحالي.
بالنظر إلى حجم اقتصاد الدولتين، لكونه المعيار الأهم لتحديد انعكاسات الزيادة السكانية، يرصد أحدث بيانات Focus Economy، أن الناتج المحلي الإجمالي للصين يصل إلى 18 تريليون دولار أميركي، ما يعني ستة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي في الهند البالغ 3.176 ترليونات دولار، ما يجعل الزيادة السكانية تفرض العديد من التحديات الكبرى، خصوصاً على الخدمات الصحية والخدمات الاجتماعية والحق في التعليم وتوفر الغذاء والسكن.
نجحت الهند إلى حد كبير في السيطرة على موجات جائحة كورونا خلال الأعوام السابقة، لكنها أقفلت البلاد مرات عديدة مع انتشار متحورات الفيروس بسبب ضعف البنية التحتية الصحية. وحسب وسائل إعلام محلية، يواجه القطاع الصحي الهندي عدة أزمات، من بينها غياب الرعاية الصحية في المناطق النائية والبعيدة، وضعف البنية التحتية المتمثلة بنقص المعاهد الطبية المجهزة جيداً، كذلك فإن معدل بناء المرافق التعليمية والتدريبية الطبية لا يقارن بحجم الحاجة، ويفاقم ذلك نقص الأطباء المؤهلين بسبب زيادة الهجرة، لكون الأجور متدنية بشكل كبير. وبحسب بيانات البنك الدولي، يوجد طبيب واحد لكل 1300 شخص، ما يجعل المواطن الهندي يكافح للحصول على الرعاية الصحية.
الهند في المرتبة الـ103 بمؤشر الجوع العالمي و97 بمؤشر توافر الغذاء
تؤدي الزيادة السكانية حتماً إلى ضغوط على الموارد، وتحديداً القطاع الزراعي الذي يوفر الغذاء. تُعَدّ الهند من بين الدول المنتجة والمصدرة للمنتجات الغذائية، لكن رغم ذلك، فإن أكثر من 270 مليون هندي يعانون من الجوع. وبحسب بيانات منظمة الزراعة والأغذية "فاو"، فإن الهند لديها بالكاد ما يكفي لإطعام شعبها، وهي تحتل المرتبة الـ97 في مؤشر توافر الغذاء الصادر عن منظمة "أوكسفام"، والمرتبة الـ103 في مؤشر الجوع العالمي.
وتشير البيانات إلى إمكانية لجوء الحكومة الهندية مع ارتفاع أعداد السكان إلى توسيع نطاق الأراضي الصالحة للزراعة، وزيادة الإنتاج الغذائي لتأمين الطعام لشعبها. لكن حتى مع التسليم بإيجابية هذا السيناريو، فإن جودة الطعام ستكون مختلفة، ومن غير المستبعد أن تتخلى الحكومة عن كثير من البرامج الأساسية لتحسين جودة الإنتاج الزراعي من أجل إطعام شعبها، كذلك قد تتجه نحو الإنتاج الزراعي السريع بدلاً من إنتاج مزروعات ذات جودة عالية.
ويؤكد تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن الهند تُعَدّ من الدول الضعيفة نسبياً لناحية جودة التعليم، ما يؤدي إلى تسرب الأطفال من نظام التعليم، وتركهم عرضة لعمالة الأطفال وسوء المعاملة، وتُظهر تقييمات التعلم أن العديد من الأطفال الملتحقين بالمدرسة لا يتعلمون أساسيات القراءة والكتابة والحساب أو المهارات اللازمة لنموهم الشامل.
وأظهر مؤشر مركز "ASER" في 2018، أنه في الصف الخامس، بعد أكثر من أربع سنوات من الدراسة، يمكن لنصف أطفال الهند فقط قراءة نص من المستوى الثاني بطلاقة، فيما تحسنت درجات القراءة والحساب في المدارس التي تمولها الحكومة في الصفوف المبكرة في سبع ولايات بنسبة 7 في المائة، مقارنة بمعدلات عام 2014، ما يعني أن التحسن ممكن، لكنه يستغرق وقتاً طويلاً.
تظهر هذه البيانات أن الضغط السكاني المتزامن مع نقص خطط وموارد إدارة شؤون التعليم قد يكون أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الهندية مستقبلاً، وقد يؤدي بشكل غير مباشر إلى زيادة الفجوة بين المناطق، ليس فقط على مستوى التعليم والخدمات الصحية، ولكن أيضاً على مستوى التنمية الاجتماعية، إذ إن الحكومة قد تركز على المدن الرئيسية وتهمل المناطق الفقيرة والنائية.
وسلطت صحيفة The economic times of india الضوء أخيراً على مشكلة سوء التغذية في البلاد، إذ إن الهند من بين الدول التي تسجل معدلات متدنية في مؤشرات صحة الطفل، وفق المسح الوطني لصحة الأسرة (NFHS)، على الرغم من عقود من الاستثمار في معالجة هذه المشكلة. وتحتل الهند مرتبة متأخرة في مؤشر الجوع العالمي (2022)، الذي تحدده عوامل مرتبطة بصحة الأطفال، مثل التقزم، والهزال، والوفاة المبكرة، ما يجعلها في المرتبة الـ107 من بين 121 دولة.
ولمعالجة سوء تغذية الأطفال في الهند، يستعرض الخبراء عدة أمور ضرورية، من بينها دعم خدمات تنمية الطفل المتكاملة، وتوفير خدمات التعليم قبل المدرسي، وتوفير برامج تغذية تكميلية، ومراقبة نمو الأطفال وتعزيزه، والتغذية والتثقيف الصحي.
لم تتمكن السلطات الهندية في عام 2021 من إجراء إحصاء عام للسكان، وتذرعت حينها بجائحة كورونا، فيما أنجز آخر تعداد وطني للسكان قبل 11 عاماً، ما يجعل من الصعب معرفة الرقم الرسمي لعدد السكان.
39 مدينة هندية يتجاوز عدد سكان كل منها المليون نسمة
حسب تقرير صادر عن "world population review"، تعد الهند واحدة من أكبر دول العالم، فهي سابع أكبر دولة من حيث المساحة، ولكن تلك المساحة لا تُستغل لتتناسب مع النمو السكاني، إذ تظهر البيانات أن بعض المدن تستقطب الملايين في مقابل مناطق نائية لا يكاد يصل عدد سكانها إلى مئات.
وعند تحليل الأرقام، يتضح أن المدن الكبيرة تساهم في زيادة عدد السكان، إذ يوجد في البلاد 39 مدينة يتجاوز عدد سكان كل منها المليون نسمة، ومن بينها مدينتان يتجاوز عدد سكان كل منهما 10 ملايين نسمة، هما مومباي ودلهي، وهناك مدن تضم أرقاماً كبيرة نسبياً مقارنة بمساحتها، فيما تظهر التوقعات أن نحو 388 مدينة يقترب عدد سكانها من 100 ألف نسمة، و2483 مدينة يزيد عدد سكانها على 10 آلاف نسمة.
تتوقع الأمم المتحدة أن يتخطى عدد سكان الهند 1.5 مليار نسمة بعد بضعة أعوام، وقد وضعت سيناريوهين: الأول خاص بتجاوز عدد السكان 1.5 مليار شخص بحلول نهاية العقد الحالي، وأن يستمر العدد في الزيادة ببطء حتى عام 2064، ليبلغ ذروته عند 1.7 مليار شخص. أما السيناريو الثاني، فيتوقع أن يكون معدل الخصوبة الإجمالي في الهند 0.5 ولادة لكل امرأة، وأن يتجاوز عدد سكان البلاد مليارَي شخص بحلول عام 2068.
ووفق دراسة أجراها مركز الأبحاث الأميركي "بيو"، تُعَدّ الهند من الدول الفتية نسبياً، إذ يمثل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة أكثر من 40 في المائة من عدد السكان، وعلى مستوى العالم، يعيش واحد من كل خمسة أشخاص تقل أعمارهم عن 25 سنة في الهند. وبالنظر إلى التوزيع العمري، فإن متوسط العمر في البلاد هو 28 سنة، وتتوقع الدراسة أن تظل نسبة الهنود الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة أقل من 20 في المائة حتى عام 2063.
لكن الضغط السكاني المستقبلي قد يؤثر سلباً في الفئات الشبابية، إذ يمكن أن تعاني البلاد من حصول فجوات في معدلات الخصوبة، وقد تشهد مناطق عديدة ارتفاع معدلات الخصوبة مقارنة بمناطق أخرى، ما يؤثر بالتركيبة السكانية للبلاد. في المتوسط، تنجب النساء في المناطق الريفية 2.1 طفل خلال حياتهن، فيما تبلغ نسبة نساء المناطق الحضرية 1.6 طفل فقط، ووفق المعدلات الحالية، تختلف معدلات الخصوبة الإجمالية أيضاً بشكل كبير حسب الولايات، من 2.98 في بيهار، و2.91 في ميغالايا، إلى 1.05 في سيكيم، و1.3 في جوا.
وبالمثل، يختلف النمو السكاني باختلاف الولايات، إذ زاد عدد سكان ميغالايا وأروناتشال براديش بنسبة 25 في المائة بين عامي 2001 و2011، حين أُجري آخر تعداد سكاني وطني، فيما زاد عدد سكان غوا وكيرالا بنسبة تقل عن 10 في المائة خلال ذات الفترة، بينما تقلص عدد السكان في ناجالاند بنسبة 0.6 في المائة، وقد تكون هذه الاختلافات الكبيرة مرتبطة بالفرص الاقتصادية غير المتكافئة في تلك الولايات.