تقارير عن طرد جماعي وإساءة معاملة المهاجرين في تونس مع تصاعد التوتّرات في صفاقس
تصاعدت التوتّرات بطريقة تنذر بالخطر في مدينة صفاقس الواقعة وسط غربي تونس، هذا الأسبوع، بعد اعتقال ثلاثة مهاجرين للاشتباه في تورّطهم في مقتل مواطن تونسي، وسط تقارير عن أعمال انتقامية ضدّ المهاجرين غير النظاميين الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وروايات عن عمليات طرد جماعي واعتداءات مزعومة من قبل قوات الأمن.
وقال المتحدث باسم مكتب النيابة العامة في مدينة صفاقس فوزي مصمودي إنّ المتّهمين بقتل الرجل التونسي، البالغ من العمر 41 عاماً، يخضعون للتحقيق بتهمة القتل العمد. وأشار مصمودي في بيان أخير إلى اعتقال 22 مهاجراً من دول أفريقيا جنوب الصحراء لاستجوابهم حول صلتهم بجرائم في المنطقة.
وتمثّل صفاقس الواقعة على الساحل الشرقي لتونس نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين واللاجئين الذين يخطّطون لعبور البحر الأبيض المتوسط في اتّجاه أوروبا. ويتدفّق آلاف الأشخاص، معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، على المدينة للانطلاق منها بأعداد غير مسبوقة إلى إيطاليا في قوارب صغيرة.
وعقب دفن التونسي نزار بن إبراهيم العمري، أوّل من أمس الثلاثاء، قطع سكان المنطقة طريقاً رئيسياً وأحرقوا إطارات ودعوا السلطات إلى إعادة المهاجرين إلى أوطانهم حفاظاً على السلام.
وأظهرت تسجيلات مصوّرة بُثّت على مواقع التواصل الاجتماعي حشوداً من التونسيين في صفاقس يحاولون اقتحام الأبواب وإشعال النار في مبنى، في ما يبدو محاولة لمطاردة مهاجرين. وأظهرت تسجيلات مصوّرة أخرى مهاجرين في أثناء اعتقالهم ونقلهم إلى سيارات الشرطة ليلاً.
وذكرت إذاعة "موزاييك إف إم" التونسية أنّ قوات الأمن التونسية وضعت عدداً من المهاجرين في ملاجئ لتجنّب استهدافهم بهجمات انتقامية، في حين توجّه نحو 200 آخرين إلى محطة قطار صفاقس للفرار إلى العاصمة تونس. لكنّ مصير مئات آخرين أتى أكثر قتامة، إذ تحدّث مهاجرون عن نقلهم إلى شاطئ معزول بالقرب من الحدود الليبية برفقة مسلّحين من كلا البلدَين.
وفي هذا الإطار، قال شاب من ساحل العاج، يبلغ من العمر 29 عاماً، إنّه كان من بين 600 مهاجر من دول أفريقيا جنوب الصحراء أُلقي القبض عليهم في ما وصفه بـ"المنطقة المحايدة" ما بين البحر الأبيض المتوسط والحدود البرية التونسية-الليبية بالقرب من بن قردان.
أضاف لوكالة "أسوشييتد برس" أنّه نُقل إلى هناك مساء السبت الماضي، قبل يومَين من مقتل الرجل التونسي، في حين كان ينتظر قارباً صغيراً للانتقال إلى إيطاليا. وأشار كذلك إلى أنّ مزيداً من المهاجرين أُجبروا على إخلاء منازلهم في صفاقس في منتصف الليل في الأيام التالية.
يُذكر أنّ اسم الشاب حُجب لأسباب تتعلّق بالسلامة، علماً أنّه كان قد دخل إلى تونس بطريقة نظامية في عام 2019، وعمل في ملعب للغولف. وقد تحدّث الشاب إلى "أسوشييتد برس" يومَي الأربعاء (أمس) والخميس (اليوم) في حين كان محاطاً بمهاجرين آخرين، من بينهم نساء وأطفال صغار.
ويكمل الشاب أنّ رجالاً يرتدون زياً رسمياً ومسلحين نقلوا الأفراد في مجموعته إلى مراكز عدّة للشرطة وقواعد للحرس الوطني، قبل أن يتركوهم على الشاطئ يوم الأحد الماضي.
كذلك، اتّهم الشاب الحرس الوطني التونسي بالاعتداء عليهم بالضرب كما لو كانوا "حيوانات وعبيداً"، لافتاً إلى أنّ نساء من المجموعة كذلك تعرّضنَ لاعتداءات.
وزعم الشاب أنّ مسؤولي الأمن قالوا للمهاجرين "اذهبوا إلى ليبيا. سوف يقتلونكم. لن تروا تونس مجدداً". وأشار إلى أنّ قوات الأمن الليبية على الحدود أطلقت أعيرة نارية في الهواء لإبعاد المدنيين، في حين حلّقت طائرة مسيّرة فوقهم صباح اليوم الخميس.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد هاجم من قال إنّهم يستخدمون بلاده كمحطة انطلاق نحو أوروبا. وتسبّب ذلك في أزمة في فبراير/ شباط الماضي، عندما طلب بفرض إجراءات عاجلة لشنّ حملة على المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، زاعماً أنّهم جزء من مخطط لتغيير هوية تونس الديمغرافية. وفي حين نقلت دول عدّة رعاياها جوّاً إلى البلاد، حاول مهاجرون آخرون الفرار بحراً إلى أوروبا.
وفي بيان أصدره أوّل من أمس الثلاثاء، شدّد سعيّد على أنّ تونس "دولة لا تقبل أن يقيم أحد على أرضها إلا وفقاً لقوانينها، كذلك لا تقبل أن تكون منطقة عبور أو أرضاً لتوطين الوافدين عليها من عدد من الدول الأفريقية، ولا تقبل كذلك أن تكون حارسة إلا لحدودها".
وتعاني الدولة الواقعة شمالي أفريقيا من أزمة اقتصادية حادة. وفي الأشهر الأخيرة، زار عدد من قادة أوروبا تونس وناشدوها المساعدة في وقف الهجرة غير النظامية، متعهّدين بمئات ملايين اليوروهات لدعم الاقتصاد التونسي المتداعي.
تجدر الإشارة إلى أنّه في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، اعترض الحرس الوطني التونسي 13 ألف مهاجر حاولوا خوض رحلات هجرة غير نظامية. لكنّ أكثر من ثلاثين ألف شخص آخرين غادروا من تونس ووصلوا إلى السواحل الأوروبية حتى الآن، في هذا العام، وفقاً لتقرير صادر عن المفوضية الأوروبية.
(أسوشييتد برس)