تونس: قفة رمضان تواسي السجناء

27 ابريل 2022
أمام سجن الكاف في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

لقفة رمضان في تونس أهميتها بالنسبة إلى القابعين في السجون التونسية الذين ينتظرون ما ستحمله عائلاتهم من أطعمة يتقاسمونها مع زملائهم، ليشعروا ولو قليلاً بألفة هذا الشهر عدا عن التواصل مع من يحبون. وتضطر مريم عمدوني إلى قطع مسافة أطول من 150 كيلومتراً من ولاية باجة إلى السجن المدني بالسرس في ولاية الكاف مرتين أسبوعياً من أجل حمل قفة الطعام لزوجها الذي يقضي عقوبة سجن مدتها سبع سنوات. وباتت القفة الشغل الشاغل لأسرتها خلال شهر رمضان.

وتتحمّل مريم مشقة السفر إلى الكاف بهدف تخفيف وطأة السجن عن زوجها خلال رمضان، على الرغم من أن ذلك منهك ومكلف بسبب طول المسافة التي تقطعها بين الولايتين وارتفاع كلفة الطعام، إذ تحتاج إلى نحو 500 دينار (نحو 166 دولاراً) على امتداد الشهر. وتقول لـ "العربي الجديد" إنها تحمل قفة الطعام إلى زوجها مرة في الأسبوع، وتتقاسم مع أسرة سجين آخر كلفة النقل. إلا أن الأمر يختلف خلال رمضان بسبب رغبة عائلات المساجين في توفير نوعية طعام جيدة ومتنوعة لذويها خلف القضبان. وتؤكد مريم أن قفة طعام السجناء في رمضان تختلف عنها في  بقية أشهر السنة، وتجتهد الأسر في إعداد الوجبات بكميات كبيرة بما يسمح للسجناء بتقاسمها مع بعضهم البعض.

تحتاج مريم إلى إعداد وجبات تكفي لأربعة أفراد. وعادة ما يخبرها زوجها بالأطعمة التي يرغب في تناولها مع مراعاة ما تسمح به إدارة السجون، مؤكدة أن من أعراف السجن أن يتقاسم السجناء كل قفة تأتي من ذويهم على امتداد الأسبوع. ويسمى السجناء من يشاركهم الطعام بـ "ولد ماكلتي" (رفيق الأكلة)، الأمر الذي يجعل الأسر مجبرة على إعداد وجبات تكفي لأربعة أشخاص على الأقل في كل مرة. تصيف مريم أنها تنفق أسبوعياً أكثر من مائة دينار (نحو 33 دولاراً) لإعداد الطعام، كما تستأجر سيارة بـ 80 ديناراً (نحو 26 دولاراً) من أجل نقلها إلى السجن، ما يشكل عبئاً مادياً قد تعجز عن تأمينه أحياناً، علماً أن معظم العائلات من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط. وتشير إلى أن إحضار قفة طعام المساجين يساهم في تعزيز العلاقات الإجتماعية بين العائلات التي تتقاسم الهموم نفسها وتسعى إلى إسعاد أبنائها السجناء خلال شهر رمضان. وغالباً ما تتشارك العائلات في إعداد الوجبات وكلفة النقل، ما يجعل العبء المالي أخف، بحسب قولها. وتوضح أن عدداً من النزلاء لا تصل إليهم القفة، إما لأسباب اقتصادية خاصة بالعائلة أو بسبب بعد السجين عن مكان إقامة عائلته. كما يحرم منها آخرون بسبب عقوبات تفرضها عليهم إدارة السجن.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي تونس، تمنع إدارة السجن من إدخال بعض الأغذية المطهوة إلى السجن لأسباب أمنية خشية تهريب ممنوعات إلى السجناء، الأمر الذي يجعل قائمة الأطعمة المسموح بها محدودة، ما يسهل على أعوان السجون مراقبتها. ويقول الناطق الرسمي باسم الهيئة العامة للسجون والإصلاح نزار سلاّم، إن إدارات السّجون زادت عدد الزيارات المسموح بها لتقديم الطعام إلى المساجين من مرة واحدة في الأسبوع إلى مرتين خلال شهر رمضان، مع الاحتفاظ بالقائمة المعتمدة نفسها على امتداد العام. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن السجناء يوزعون في ما بينهم أدوار تقاسم الطعام بما يسمح لهم بتناول الوجبات التي تعدّها أسرهم على امتداد الأسبوع. وترفض بعض الدول قبول الأطعمة المقدمة من العائلات، إلا أن تونس تسمح بذلك لأسباب نفسية واجتماعية، وحرصاً على تواصل السجناء مع ذويهم. 

بعد تفشّي فيروس كورونا الجديد في البلاد، وبسبب التدابير التي فرضتها إدارة السجون التونسية وسط الأزمة الصحية، تمّ تقليص عدد الزيارات المسموحة للسجناء إلى مرّة واحدة في الأسبوع على مدى سنتين، قبل أن يُسمح لهم بالزيارة مرّتَين أسبوعياً منذ بداية شهر رمضان الجاري، إنّما مع الاستمرار في تعقيم الأواني.

وتزداد معاناة عائلات السجناء خلال شهر رمضان، وخصوصاً مع زيادة الكلفة المالية لإعداد وجبات إفطار غنية ومتنوعة. ويعود نظام قفة المساجين في تونس إلى ستينيات القرن الماضي، وتحديداً فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. في ذلك الوقت، لم تكن الدولة قادرة على إطعام المساجين، لكن ظلت هذه العادة مستمرة، وخصوصاً أنها تساهم في ربط السجين بالمحيط الخارجي كما يقول متخصصون في علم الاجتماع، ويتحول الحصول على وجبة طعام من العالم الخارجي إلى أمنية بالنسبة إليهم. ويطالب الحقوقيون في تونس بجعل السجون أكثر انفتاحاً على المحيط الخارجي، فضلاً عن تقليص العقوبات السالبة للحرية واستبدالها بما يساهم في خدمة الصالح العام أو غير ذلك، فضلاً عن تحسين نوعية الوجبات الغذائية المقدمة إلى المساجين.