- تركيا تحمي حقوق العبادة لجميع الديانات، حيث قامت بترميم 14 كنيسة مسيحية وكنيس يهودي، وافتتحت مسجد كاريا للعبادة مع الحفاظ على زخارفه التاريخية.
- تعكس قصة تحويل كنيسة تشورا وجامع كاريا إلى مساجد ثم متاحف ومرة أخرى إلى مساجد، نهج تركيا في التعامل مع تراثها الثقافي والديني، مؤكدة على حقها السيادي والتزامها بالتنوع الثقافي والديني.
يستمرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تحويل المعالم التاريخية المسيحية أيام القسطنطينية إلى دور عبادة إسلامية بعد افتتاحه جامع كاريا في إسطنبول الذي كان كنيسة ثم متحفاً، بعدما أخذ حزب الشعب الجمهوري المعارض خطوة محايدة أيام حكمه في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، بتحويله تلك المعالم إلى متاحف مفتوحة للجميع من دون أن يكون لها صبغة دينية.
يُسوّق أردوغان لتركيا القوية صاحبة القرارات السيادية، سواء راقت قراراته الغرب، وفي مقدمته اليونان وروسيا، أو لم ترقه، من دون أن يعادي أحفاد البيزنطيين في وقت واحد، وقد افتتح الرجل كنيسة سانت ستيفان الحديدية في إسطنبول بالتعاون مع بلغاريا عام 2018، وكنيسة مار أفرام السريانية الأرثوذكسية القديمة، وهي أول كنيسة شُيدت في عهد الجمهورية التركية.
وتصون تركيا الحقوق وحرية العبادة وممارسة الطقوس الدينية لكل من هم على أرضها، استناداً إلى دستور عام 1923، رغم التعديلات الكثيرة التي طرأت عليه. وعملت على ترميم 14 كنيسة مسيحية وكنيساً يهودياً خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية الممتدة منذ عام 2002 وحتى اليوم.
وشهدت منطقة ايدرنا كابيه في حيّ الفاتح بإسطنبول، افتتاح مسجد كاريا للعبادة رسمياً، بعد أربع سنوات على صدور المرسوم الرئاسي في أغسطس/ آب 2020 القاضي بتحويل المتحف إلى جامع وتسليمه من قبل وزارة السياحة إلى رئاسة الشؤون الدينية. وخلال هذه الفترة، أُهِّل المسجد وأُعيد ترميمه ليأخذ حلّة الجامع من دون العبث بزخارفه ونقوشه على الجدران أو أكبر لوحة فسيفساء على سقفه التي تحكي قصة يوحنا المعمدان.
ولكنيسة تشورا أو المخلص المقدس سابقاً وجامع كاريا اليوم، حكاية تتطابق مع قصة كنيسة آيا صوفيا التي تحولت إلى جامع بعد الفتح العثماني ثم إلى متحف في زمن حكم حزب الشعب الجمهوري قبل أن تُعادَ عام 2020 جامعاً.
آيا صوفيا وكاريا مسجّلان مسجدين في سندات الملكية التي تحمل اسم مؤسسة محمد الفاتح
ويقع جامع كاريا في حيّ الفاتح غربيّ إسطنبول القسم الأوروبي، ويعود تاريخه بحسب المصادر التركية إلى القرن السادس الميلادي. وبقي كنيسة منذ ذلك الوقت، وحتى بعد فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح عام 1453 بنحو 58 عاماً، لتتحول إلى جامع إثر قرار من الصدر الأعظم علي باشا عام 1511، وتُمسَح اللوحات الجدارية والموزاييك عن الجدران. وبقي جامعاً حتى 1923 وقت إعلان الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، ليتجمد دوره جامعاً حتى عام 1956، حين تحول إلى متحف.
ويتحدث الدليل السياحي التركي سردار دونميز، لـ"العربي الجديد"، عن تحولات تشورا منذ أن كانت إسطنبول مركزاً للمسيحية الشرقية أو أنطاكية، لكونها أحد الكراسي الرسولية إضافة إلى روما والقسطنطينية والقدس. فالكنيسة بُنيت عام 534 في زمن البيزنطيين، وبعد حوالى 50 عاماً من فتح المسلمين للقسطنطينية، أمَر عتيق علي باشا وزير السلطان بايزيد الثاني بتحويل المبنى إلى مسجد. وفي أغسطس/ آب من عام 1945، قررت الحكومة التركية تخصيص الجامع لوزارة التربية على أن يستخدم متحفاً ومستودعاً، وبقي كذلك حتى عام 2020 حين أصدر أردوغان مرسوماً بتحويل المتحف إلى جامع.
ويكشف دونميز تغطية فسيفساء سقف تشورا بالجبس خلال فترة تحويلها إلى جامع. لكن بعد تحويلها إلى متحف، تم ترميم وإعادة كشف الفسيفساء من قبل متخصصين في المعهد البيزنطي الأميركي عام 1956، لإظهار كل اللوحات الفنية والفسيفساء والموزاييك إلى العلن.
وصنف هذا المتحف الصغير (742 متراً مربعاً) كواحد من أجمل الكنائس البيزنطية، ويعوّض جمالها الداخلي عن صغر حجمها، وتحتوي على الكثير من اللوحات الفنية الجدارية الرائعة المكسوّة بالفسيفساء.
في المقابل، يقول رجل الدين التركي خليل أوزون، الذي صلى في الجامع يوم افتتاحه، إنّ من حق تركيا إعادة كاريا إلى جامع، وليس بذلك تعدٍّ على أحد، فالمكان في بلدنا وتحت سيادتنا، وقد حوله أجدادنا إلى جامع، قبل أن تحوله قرارات حزب الشعب الجمهوري إلى متحف ومستودع، وتحول الكثير من المساجد إلى خانات ومستودعات للحبوب.
ويشير أوزون في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن آيا صوفيا أو كاريا مسجّلان مسجدين في سندات الملكية التي تحمل اسم مؤسسة محمد الفاتح، وهو السلطان العثماني الذي كان قد ضمّ القسطنطينية إلى الدولة العثمانية خلال القرن الخامس عشر، وهذا التصنيف غير قابل للتعديل. ويؤكد أن استعادة تشورا جامعاً ليس معناه إغلاقه في وجه أحد، بل هو مفتوح لجميع الزوار والمصلين، وخصوصاً أنه يقع في منطقة سياحية قديمة تضمّ محالّ تبيع تحفاً وصناعات زجاجية يقابله موقع سياحي يقصده الكثير من السياح حول العالم.
ويذهب كثيرون إلى تشبيه كاريا البيزنطية بآيا صوفيا، لكونهما مرّا بالتحولات نفسها، أي كنيسة فجامع ثم متحف فجامع. فتشورا عبارة عن كنيسة بناها البيزنطيون وأُطلق عليها اسم كنيسة المخلص المقدس. وتشغل جدرانها وأسقفها رسومات ولوحات تحكي قصة يوحنا المعمدان، وهي تماماً كتلك الموجودة في متحف آيا صوفيا، التي تحكي ولادة ونشأة السيد المسيح والسيدة العذراء وبعض اللوحات المتعلقة بالثقافة البيزنطية.
وتتشابه كلتا الكنيستين عبر تاريخ البناء والتحول إلى مسجد ثم إلى متحف فمسجد، إذ بُنيت آيا صوفيا في عهد الإمبراطور جستنيان عام 532 م، واستغرق بناؤها نحو خمس سنوات، وافتُتحت رسمياً عام 537 م، وهي الأكبر والأهم بلا شك، لكونها المعلم المعماري البيزنطي الأبرز. واستمر مبنى آيا صوفيا على مدار 916 عاماً كتدرائية ولمدة 481 عاماً مسجداً. ومنذ عام 1935، أصبح متحفاً قبل أن تعاد عام 2020 إلى مسجد مع الاحتفاظ بكونها أهم التحف المعمارية في تاريخ الشرق الأوسط.
وقالت اليونان عبر وزارة خارجيتها، بعد افتتاح جامع كاريا: "من المحزن جدّاً بالنسبة إلينا افتتاح كاريا في إسطنبول مسجداً للعبادة، فهذا يشكل تحدياً للمجتمع الدولي، إذ يفسد ويهين طابع اليونسكو للتراث الثقافي للمبنى". ردّ يتشابه تماماً مع ردود الأفعال يوم افتتح أردوغان جامع آيا صوفيا، وإن كان الصدى والاعتراض وقتذاك أكبر وامتدّ إلى فرنسا والاتحاد الأوروبي وروسيا. لكن تركيا أعادت الرد ذاته "مسألة سيادية وحقوق الأجداد وإرثهم".