يحتفل العالم في 21 فبراير/ شباط من كلّ عام باليوم الدولي للغة الأم الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عام 1999، انطلاقاً من إيمانها بأهمية التنوع الثقافي واللغوي لبناء مجتمعات مستدامة. إلا أن المنظمة ترى أن التنوّع اللغوي يتعرّض إلى تهديد متزايد في ظل اندثار عدد أكبر من اللغات، علماً أنّ 40 في المائة من سكان العالم لا يحصلون على التعليم باللغة التي يتحدثونها أو يفهمونها. في الوقت نفسه، تشير إلى تقدّم ملموس في التعليم المتعدد اللغات القائم على اللغة الأم، وما يقترن به من فهم متزايد لما يمثله من أهمية، لا سيما في مرحلة التعليم ما قبل المدرسي، فضلاً عن تزايد الالتزام بتطويره في الحياة العامة.
في هذا السياق، يهتمّ الرئيس التنفيذي لشركة "ابتكار" ورائد الأعمال القطري نايف محمد الإبراهيم، بالمشاريع التعليمية والتكنولوجية لإيمانه بدورها في نهضة المجتمع، وقد أدرك التحديات التي تواجه اللغة العربية، والحاجة إلى تطوير برنامج مبتكر لتعليم اللغة العربية. فأطلق عبر مؤسسته قبل نحو عامين برنامج "جذور العربية" الذي يقدم تجربة تعليمية شخصية تبدأ بتحسين معرفة الطفل بالحروف العربية من خلال بناء الجمل ثم الفقرات والمقالات.
ويقول الإبراهيم لـ "العربي الجديد" إنّ "جذور" برنامج معني بتوفير تجربة تعليمية متكاملة، هدفها الأساسي تنمية المهارات اللغوية لدى الأفراد، وهي القراءة والكتابة والتحدث والاستماع، موضحاً أنّ البرنامج يسعى إلى تعريف الفرد على حروف اللغة العربية وأشكالها قبل الانتقال إلى الكلمات ثم إلى الجمل والقواعد والنحو، وصولاً إلى بناء نص إنشائي متكامل. وهذا التسلسل قائم على 12 مستوى لتعزيز كفاءة الفرد لغوياً.
وفي ما يتعلّق بالفئات المستهدفة، يشير إلى أنّ البرنامج يستهدف شريحة تبدأ من عمر خمس سنوات، وهو مدمج ما بين ورقي والتعليم عن بعد. فبعد تحديد مستوى المشارك، يُزوّد بمجموعة من الكتيبات أسبوعياً، ويطلب منه حلّ التمارين مع ضمان الممارسة اليومية بحد أقصى 30 دقيقة. كما يلتحق بالتعليم عن بعد ويشرف معلّم على الطالب مرتين أسبوعياً. وبالتالي، يعمل الطالب بنفسه خمسة أيام على الكتيبات الورقية، ويومين مع المدرس عن بعد.
وفي ما يتعلق بالمحتوى والركائز التي يعتمد عليها البرنامج، يقول الإبراهيم إنّ الفكرة المركزية لبرنامج "جذور" قائمة على ثقافة اللغة العربية. من هنا، تم تأسيس وبناء المحتوى التعليمي من المستوى الأول وحتى المستوى الثاني عشر بطريقة متسلسلة تعتمد على الصور التي يراها الإنسان في البيئة المحيطة، والمفردات التي يستخدمها في حياته اليومية بشكل فعال. وفي الوقت نفسه، هناك نصوص قصصية على علاقة بالتاريخ والفنون والثقافة تثري الفرد وتمنحه مخزوناً لغوياً كبيراً من منطلق استخدام اللغة العربية.
ركائز
ويقوم البرنامج على أربع ركائز، الأولى هي التكرار المتباعد، وتعني بحسب الإبراهيم أنّنا "عندما نتحدث عن متعلم يحصل على سبعة كتيبات يتعامل فيها بالمستوى الأول مع الحروف. إذا أخذنا حرف الواو كمثال، يعود المتعلم إليه بعد ثلاثة أيام ومرة أخرى بعد ستة أيام، ثم بعد أسبوعين. هذا التكرار المتباعد في الوقت يبني ذاكرة لدى الفرد ويقوي تركيزه على الحرف نفسه، الأمر الذي يعزز بناء المهارات اللغوية. أما الركيزة الثانية، فهي "الخطوات الصغيرة" التي تسهل الانتقال من المستوى الأول إلى المستوى الثاني بشكل تدريجي.
والركيزة الثالثة هي التعليم التلقائي، وقد صممت الكتيبات بطريقة ممنهجة. فالطالب خلال الأيام الخمسة من الأسبوع يحل التمارين بنفسه بعدما أصبح يألف الأسئلة ويفهمها.
والركيزة الرابعة هي "التعليم المشخصن". ويقول الإبراهيم: "لنفترض أن هناك طالبين في مستوى واحد، إلا أن تعلم الأول يختلف عن تعلم الثاني لأسباب عدة. لكل واحد مهاراته. هنا، يتابع فريق البرنامج الحالتين، ويوزع المحتوى بناء على تفاعل كل فرد فيهما. هذا التعليم المشخصن ساعد أيضاً الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، أو الذين لديهم صعوبات تعليمية وغير ذلك، في بناء مهاراتهم اللغوية وبقوة.
تحديات
لكلّ عمل تحدياته، فأبرز التحديات في مجال اللغة العربية، وفقاً للإبراهيم، تبدأ بالمنظومة التعليمية. فمحتوى اللغة العربية قديم ويفتقر إلى الابتكار، وبالتالي لا يجذب انتباه التلميذ/الطالب. يضاف إلى ما سبق تحدي الأساليب التربوية والتعليمية لدى المعلمين في المدارس، وضرورة تطويرها لتجذب التلاميذ. فتعليم اللغة العربية داخل الفصل الدراسي يكون من خلال معلم يتعامل مع 20 تلميذاً أو أكثر في الفصل الواحد، من دون مراعاة للمهارات والقدرات الفردية المختلفة للتلاميذ.
أمّا التحدي الآخر فهو "طفرة" التكنولوجيا، إذ إنّ غالبية المحتوى المرئي والمسموع هي بلغات غير عربية. وفي المجتمعات العربية، أصبحت اللغة الإنكليزية اللغة المستخدمة في التواصل، سواء في العمل الاحترافي والمهني أو حتى بين الأصدقاء وأفراد الأسرة. وفي النتيجة، باتت اللغة الأجنبية هي السائدة عموماً.
وحول طرح البرنامج على وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في قطر، يأمل الإبراهيم في التعاون مع المدارس والوزارة مستقبلاً، بهدف جدولة البرنامج بعد جدول الفصل الدراسي اليومي، للمساعدة في التعامل مع الفروقات الفردية للتلاميذ.
وتقول أم عبد الله، وهي أم لطفلين يدرسان في مستويين في البرنامج، إنّ ابنها عبد الله مصاب باضطراب طيف التوحد، فيما ابنتها لولوة مصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. ومع أنّ فترة البرنامج التي التحقا بها لم تتجاوز الشهرين، فقد لاحظت مدى تقدمهما. فعبد الله بات ينطق الحروف باللغة العربية ويكتب جملاً،، فيما أصبحت لولوة تقرأ بشكل سليم وبمهارة، مؤكدة أنّ الفارق واضح على الرغم من أنّهما يدرسان في مدرسة متخصصة لحالتيهما.