استمع إلى الملخص
- دفع ثمناً شخصياً بفقدان ابنه وإصابته، لكنه واصل تقديم الرعاية للجرحى، متجاهلاً جراحه، ومواصلاً مناشداته لإنقاذ المستشفى.
- اعتقاله من قبل القوات الإسرائيلية أثار استنكاراً واسعاً، واعتبرته وزارة الصحة رمزاً للإنسانية في مواجهة الظلم.
في واحد من آخر المشاهد الواردة بعد عملية اقتحام مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، أوّل من أمس الجمعة، ظهر مديره حسام أبو صفية بردائه الأبيض وهو يتقدّم وسط الركام في اتّجاه دبابات إسرائيلية بمحيط المستشفى، بحسب المتداوَل. وسط المجازر الإسرائيلية المتواصلة، برز اسم الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية الذي عُدّ رمزاً للإنسانية والصمود في مواجهة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في القطاع منذ نحو 15 شهراً.
وعلى الرغم من القصف العنيف الذي شهده مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، الواقع في محافظة شمال غزة التي تشكّل مع محافظة غزة منطقة شمال القطاع التي عزلها الاحتلال عن الوسط (محافظة دير البلح) والجنوب (محافظتا خانيونس ودير البلح)، على مدى ثلاثة أشهر من توغّل قوات الاحتلال الإسرائيلي في المحافظة، واصل حسام أبو صفية قيادة فريقه الطبي من أجل أداء رسالته الإنسانية في واحدة من أكثر الفترات دموية في تاريخ قطاع غزة. وناشد الطبيب الفلسطيني العالم والمجتمع الدولي إنقاذ المنظومة الصحية التي تدمّرها آلة الحرب الإسرائيلية، وإمداد مستشفى كمال عدوان بالأدوية والمستلزمات الطبية لإنقاذ الجرحى والمرضى الذين يؤويهم.
"First they killed his son, then wounded him, and now they've imprisoned him: Israel has kidnapped Hussam Abu Safiya, MD, General Director of Kamal Adwan Hospital, because he refused to leave his patients to die."
— Emelia (@Bernadotte22) December 28, 2024
This is the price Palestinian doctors in Gaza pay for their… pic.twitter.com/5FsJz8dKmb
عندما دفع حسام أبو صفية ثمناً شخصياً باهظاً
ومع اشتداد حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة، دفع حسام أبو صفية ثمناً باهظاً على الصعيد الشخصي عندما فقد ابنه إبراهيم خلال عملية اقتحام استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي من خلالها مستشفى كمال عدوان في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وعلى الرغم من الحزن الذي اجتاحه، أصرّ الطبيب على أداء صلاة الجنازة على روح ابنه وسط زملائه في المستشفى، متحاملاً على جراحه النفسية والجسدية، علماً أنّ القصف والتفجيرات كانت متواصلة من حوله.
وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تعرّض حسام أبو صفية المتخصّص في طبّ الأطفال وحديثي الولادة لإصابة نتيجة قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان، لكنّه رفض مغادرة موقعه وواصل توفير العلاج للمرضى والجرحى. وعلى الرغم من حاجته إلى رعاية طبية، أصرّ الطبيب الفلسطيني على التنقّل بين الجرحى والاطمئنان على أوضاعهم وممارسة عمله.
ولم يكلّ حسام أبو صفية عن مناشدة العالم إنقاذ مستشفى كمال عدوان من الانهيار والتدمير، في ظلّ مواصلة قوات الاحتلال استهداف محيطه بالقصف والتفجيرات ليلاً ونهاراً، علماً أنّ الهجمات الإسرائيلية أسفرت عن استشهاد عددٍ من الأطباء والمرضى والجرحى، من بينهم أطفال، في داخل المستشفى وعند أبوابه، الأمر الذي حوّل هذه المنشأة الطبية من ملاذ للشفاء إلى "ساحة للألم".
وقبل أيام من الاقتحام الأخير، الاثنين 23 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، نشر حسام أبو صفية على حسابه الخاص على موقع فيسبوك تسجيلاً التقطه لآلية إسرائيلية تضع صندوق متفجّرات خشبيّ أمام إحدى بوابات المستشفى. وقد كتبت قوات الاحتلال على الصندوق باللغة الإنكليزية كلمة "خطر"، فيما رُسمت على أحد جوانبه إشارة الخطر (مثلّث في داخله علامة تعجّب)، وفقاً لما أظهره التسجيل. وأرفق الطبيب الفلسطيني التسجيل بتعليق مقتضب، جاء فيه: "آليات الاحتلال، الآلية (روبوتات)، تقوم بوضع صناديق متفجّرات على بوابات مستشفى كمال عدوان".
طبيب فلسطيني "ما هزّته دولة نووية"
وأوّل من أمس الجمعة، في 27 ديسمبر الجاري، بلغت عمليات الاعتداء على مستشفى كمال عدوان ذروتها، إذ اقتحمته القوات الإسرائيلية مجدّداً ودمّرت أجزاء كبيرة منه وأحرقت أقساماً فيه. بالنسبة إلى إسرائيل، لا يشفع الرداء الأبيض لتجنيب الطبيب الاعتقال، فتهمته "طبيب"، إذ لا تهمة أخرى تُلفَّق لمن رفض التخلّي عن إنسانيته وسط الانتهاكات التي يتعرّض لها أهل قطاع غزة.
وأمس السبت، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، في بيان مقتضب، بأنّ "قوات الاحتلال تعتقل الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان". وفي مشهد مؤلم، خرج الطبيب الفلسطيني بردائه الأبيض، محاطاً بجنود إسرائيليين مدجّجين بالسلاح؛ هو اعتقل تحت تهديد السلاح.
في تعليق على اعتقال حسام أبو صفية، أفاد المتحدّث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أشرف القدرة، في بيان، "نودّع العام (2024) بصورة رجل ما هزّته دولة نووية، ولا أخافته دبابات فولاذية"، مشيراً إلى أنّه اضطر إلى "الذهاب لمصيره بقدَميه الحافيتَين، وكلّ حبة تراب تحتها تقبّل ملامسه". أضاف القدرة، واصفاً الصورة التي وثّقت الاعتقال المخزي الذي نفّذته قوات الاحتلال بحقّ طبيب سلاحه أدوات إنقاذ حياة الآخرين، أنّها "صورة خذلان مليارَي مسلم، صورة هوان 450 مليون عربي، صورة تآمر كوكب كامل على بقعة صغيرة اسمها غزة". وتابع القدرة: "ننهي عاماً من الحزن، ونفتتح عاماً من القهر، هذا لسان حال طبيب الإنسانية حسام أبو صفية".
(العربي الجديد، الأناضول)