مؤخّراً، دعا مجلس محافظة حلب المواطنين ممن لديهم قبور في حي صلاح الدين ضمن الحديقة الواقعة إلى جانب جامع صلاح الدين إلى الحضور يوم الثلاثاء (الثاني من مارس/ آذار)، عند الساعة الثامنة صباحاً في المكان، من أجل نقل رفات ذويهم إلى المقبرة الإسلامية الحديثة أو مقابر عائلاتهم على نفقة مجلس المدينة. وقال المجلس في البيان إن "دائرة الدفن ستقوم بنقل الرفات من دون العودة إلى المواطنين المعنيين في حال التخلف عن الحضور في الموعد المحدّد".
يشار إلى أن غالبية أهالي المتوفين والمدفونين في مقابر عشوائية في حلب لم يبقوا في المدينة، وذلك بعد اتفاق التهجير الذي أدّى إلى خروج نحو 250 ألف مدني من المدينة في نهاية عام 2016، وسيطرة النظام السوري على المدينة حينها.
وتمّ اللجوء إلى القبور العشوائية في حلب خلال فترة القصف والعمليات العسكرية على المدينة، إذ كان الوصول إلى المقابر الحديثة خطيراً بسبب قنّاصة النظام السوري، في حين أن المقابر الواقعة ضمن المدينة لا تتسع لمزيد من القبور.
واقع أجبر المدنيين على دفن الضحايا في الحدائق العامة والأراضي الفارغة داخل المدينة، من دون أي توثيق في ظل الأعداد الكبيرة من القتلى المدنيين يومياً. وبعد سيطرة النظام على المدينة، أراد نقل هذه القبور إلى المقبرة الإسلامية الحديثة الواقعة عند أطراف مدينة حلب، من دون وجود ذوي المتوفين القادرين على التعرّف على مكان القبر واسم الشخص الموجود داخله.
من بين هؤلاء مصطفى الحمصي، الشاب السوري الذي دفن والده بعدما قُتل خلال القصف على المدينة. ويقول: "تم نقل الرفات من دون تسجيل اسم المتوفّي في القبر الجديد، ما يعني أنّني لم أعد قادراً على معرفة أين دفن والدي". يعيش الحمصي في محافظة إدلب، وكان قد التقط صوراً للقبر لتمييزه لكنّه فقد الصور خلال التهجير من مدينة حلب. يضيف الحمصي: "والدي لم يمت بشكل طبيعي بل هناك من قتله، وهذا يعني أن نقل القبر من دون توثيق الاسم سيؤدّي إلى دفن الجريمة مع رفات والدي".
من جهته، يقول الخبير الجنائي ومدير هيئة الطبابة الشرعية في محافظة حلب الحرة سابقاً الطبيب محمد كحيل، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إن هذا الإجراء هو جريمة أخرى تضاف إلى جريمة القتل. يضيف: "المشكلة الرئيسيّة في نقل المقابر هو أنّها ستضيّع هوية المتوفّين وحقوق ذويهم في التعرّف عليهم، لأنه لا يستطيع ذوو معظم المدفونين العودة إلى محافظة حلب، كونهم نازحين في محافظ إدلب أو لاجئين يعيشون خارج سورية. لذلك، فإن النظام عندما ينقل هذه المقابر لن يوثّقها". ويرى أن الغاية من هذا الإجراء هو طمس آثار جرائم النظام انطلاقاً من حقيقة أن معظم المدفونين هم من القتلى خلال الحملة العسكرية على حلب، وما رافقها من قصف بالصواريخ والبراميل المتفجّرة.
ويتساءل كحيل: "ألا يوجد ما هو أهم من المقابر ليتم انتشالها من مدينة حلب، باعتبار أنّ هذه المدينة غارقة في الأنقاض والدمار؟ الأولى بالنظام أن يبدأ بترميم وبناء المباني السكنية وترميم وإصلاح البنى التحتية التي تقدّم الخدمات للمدنيين وإزالة الأنقاض التي تغرق أحياء حلب فيها قبل أن يفكّر في المشهد الحضاري وتلوّث البيئة الناتج عن وجود مقابر عشوائية". ويوضح أن لدى النظام ما هو أهم من هذه المقابر لكنّه يريد إزالة الجريمة، مطالباً بإشراك لجان تشرف عليها هيئات إنسانية مثل الصليب الأحمر الدولي، من أجل توثيق هذه المقابر وعدم ضياع هوية الجثامين، وذلك من خلال وضع علامات تتميّز بين القبر القديم والقبر الجديد ليتم التعرّف عليه في وقتٍ لاحق.
مائة قتيل يومياً
يقول الخبير الجنائي ومدير هيئة الطبابة الشرعية في محافظة حلب الحرة سابقاً الطبيب محمد كحيل، إنه في البداية، كان الناس يعمدون إلى دفن موتاهم في المقبرة الإسلامية الحديثة. لكن في وقت لاحق، أصبحت المنطقة خطرة، فاضطر السكّان إلى دفن موتاهم في أماكن متفرّقة. ويشار إلى أن المدينة كانت تشهد سقوط نحو مائة قتيل يومياً خلال معركة السيطرة على حلب عام 2016.