حرم الاحتلال الإسرائيلي الطفلة الفلسطينية ميسم حمامرة (8 أعوام)، المتحدرة من بلدة حوسان غرب بيت لحم جنوب الضفة الغربية، من والدتها حلوة (28 عاماً)، لمدة ست سنوات، حين ادعى جنود الاحتلال أن حلوة، التي لم تتجاوز في ذلك الوقت 22 عاماً حاولت القيام بعملية طعن قرب مستوطنة "بيتار عيليت" المقامة على أراضي بلدتها. إلا أن حلوة اليوم تكاد تطير فرحاً غير مصدقة أنها تحررت والتقت بابنتها ميسم التي كانت تتعثر بالكلام. ولم تعد تبالي بسنوات الغياب طالما أنها احتضنت ميسم.
وتقول حلوة لـ "العربي الجديد": "لدى اعتقالي، أصابني جنود الاحتلال بالرصاص في البطن، ما أدى إلى خسارتي إحدى كليتي. كما تم استئصال الطحال في المستشفى، حيث تعرضت خلال علاجي للتهديد بالقتل من قبل المستوطنين". كانت حلوة تُكابد مرارة الإصابة والتهديد بالقتل في المستشفى وصدمتها بالاعتقال لمجرد أنّها كانت بالقرب من الأرض الزراعية لعائلتها المحاذية للمستوطنة. والأصعب كان ترك ابنتها وحيدة.
وتوضح حلوة لـ "العربي الجديد": "خلال وجودي في المستشفى، بدأت بالتفكير أكثر بابنتي ميسم. وكلّما عزّ عليّ الفراق، احتضنت وسادتي في السجن، ثم بدأت بترداد الأغنيات التي اعتدت أن أغنيها لميسم قبل النوم. وأكثر ما كان يؤلمني هو العشر دقائق الأخيرة في كل زيارة التي تأتي فيها طفلتي ميسم لرؤيتي من خلف الزجاج والقضبان". حين تُشارف الزيارات على الانتهاء، يسمح الاحتلال للأسرى والأسيرات الآباء منهم والأمهات باحتضان أطفالهم لمدة قد لا تتجاوز الخمس دقائق وربّما تصل إلى عشر دقائق. وبدلاً من أن يكون ختام الزيارة مسكاً، كانت بالنسبة لحلوة الأم جرحاً كبيراً لاضطرارها إلى الابتعاد عن ميسم. وعندما كانت ميسم تحتضن أمها في نهاية الزيارة، كانت ترفض تركها أو التوقف عن البكاء، وتطالب الجميع بالإفراج عن والدتها، قائلة: "طلعولي (أخرجوا) ماما".
لا يلبي الاحتلال مطالب الفلسطينيين، ومن بينهم الطفلة ميسم، التي كانت تطالب بالإفراج عن أمها في كل زيارة. ويشار إلى أن الاحتلال كان يحرمها من زيارة والدتها بسبب المنع الأمني أحياناً لوالدة الأسيرة المحررة حمدة حمامرة وشقيقها الوحيد حمزة، علماً أن ميسم لا تستطيع زيارة والدتها من دون أحد هذين المرافقين. مع ذلك، تقول حلوة إن ألم استرجاع ما حصل يمتزج بفرحة التحرر. في الوقت الذي تستعدّ الأمهات لتحضير أطفالهن لمرحلة رياض الأطفال، اكتفت حلوة بتخيل شكل ابنتها ولباسها في اليوم الأول وسؤالها: "ليش ماما مش معي (لماذا أمي ليست معي؟)". كانت ميسم تسأل عني في أول أيام الروضة، وقد أخبرتني لاحقاً أنني غبت عنها. كانت تريدني أن أكون معها في أول أيام المدرسة مستنكرة غيابي. كانت تسأل: ليش ماما هيك بتعمل فيّي؟ (لماذا تفعل بي أمي هكذا؟)". تسأل حلوة: "كيف نشرح للصغار سياسة دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ لا رحمة لطفل أو أُم في السجون". تقول حلوة إن اعتناء والدتها بطفلتها هوّن الأمر كثيراً على الصغيرة التي تعاني ألماً كبيراً بسبب غياب الأُم. وأكثر ما ضايقها هو أسئلة زملائها في المدرسة عن سبب غيب والدتها.
كلّ شيء تغيّر بعد إطلاق سراح حلوة في الخامس من أغسطس/ آب الجاري. تبدلت مشاعر الحزن وباتت أكثر إقبالاً على الحياة. تقول حلوة: "احتضنت ميسم الساعة السادسة مساءً في منزل عائلتي في بلدتي حوسان. لم أصدق أنني تحررت. قالت لي طفلتي: ماما مش مصدقة إنك هون وطلعتي من السجن، واستمر العناق دقائق عديدة". رفضت ميسم أن يعانق والدتها أحد غيرها. وكلما اقترب أحدهم أبعدته. تسعى حلوة لقضاء الوقت مع طفلتها لتعويضها سنوات الغياب في المعتقل. كما تخطط للعودة إلى الجامعة والتخصص في التربية الرياضية، استجابة لميول ميسم الرياضية.
تقول حلوة: "من أجل ميسم، سأدرس التربية الرياضية، ونتعلم السباحة معاً بالإضافة إلى الفنون القتالية بهدف تفريغ كل شحنات الألم والغضب التي سببها غيابي. أنا سعيدة وغير مصدقة أنني تحررت وأن ابنتي في حضني". تركت حلوة في سجون الاحتلال إحدى عشرة أماً، أبرزهن القيادية خالدة جرار والناشطة ختام سعافين والأُم الجريحة إسراء جعابيص والأسيرة الحامل منار حجلة. وتوجه حلوة رسالة دعم قصيرة لهن قائلة: "الحياة كثير حلوة، وإن شاء الله لما تطلعن راح تنسين كل يلي شفتن (ما عانيتن منه) بالسجن. أولادكن بخير وأهاليكن إجو (جاؤوا) سلموا علي".