داريا السورية... انتقام النظام مستمر

28 يونيو 2021
أهالي داريا صامدون (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -

 

أحد أهداف النظام السوري في الحرب، بحسب مراقبين، كان إحداث تغييرات ديموغرافية كبيرة في عدد من المناطق لأهداف محددة. مدينة داريا دفعت وكذلك أهلها ثمناً باهظاً لهذا المخطط. واليوم، لا حول لهؤلاء ولا قوّة بين الأنقاض.

دمّرت الطائرات الحربية التابعة للنظام السوري وتلك التابعة للجيش الروسي نحو 90 في المائة من المناطق المأهولة في مدينة داريا (قرب دمشق)، ما تسبّب في تهجير كل سكانها في أغسطس/ آب من عام 2016، إثر حصار وتدمير ممنهج استمرّ نحو أربعة أعوام وانتهى بالتوصّل إلى اتفاق لمغادرة باقي السكان الذين لم يتجاوز عددهم سبعة آلاف نسمة حينها، علماً أنه في عام 2015 فقط قُصِفت المدينة بأكثر من 3500 برميل متفجّر.

وبعد ثمانية أشهر، سمح النظام بعودة السكان إلى المدينة، لكنّه أجبرهم على دفع نفقات ترميم الشوارع وإزالة الأنقاض، في خطوة مثّلت شبه انتقام جديد منهم. ويشير النظام إلى أنّ 80 ألف شخص يسكنون في داريا حالياً، بحسب ما تنقله وكالة أنباء "سانا" الرسمية عن رئيس بلدية المدينة مروان عبيد، في حين ينفي ناشطون من أهالي المدينة صحة هذا الرقم، ويتّهمون النظام بمحاولة تضخيمه ومضاعفته. يُذكر أنّ مظاهر الدمار الهائل لم تتغيّر في المدينة وشحّ الخدمات في أقصى درجاته فيها.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

مؤيّد حبيب من هؤلاء العائدين، يتحدث عن واقعهم في مدينة داريا حالياً، فيما يتذكّر كيف نُفّذت عملية التهجير قبل السماح بالعودة. ويقول لـ"العربي الجديد": "اشترط النظام في خلال المفاوضات مع لجان الأهالي التي انضممت إليها، إخلاء المدينة بالكامل، رافضاً بقاء أيّ شخص فيها ومنع دخولها بالكامل، باستثناء أولئك الذين لديهم علاقات مع حزب البعث أو قوات النظام. وفي خلال نحو ثمانية أشهر من خروجنا بالكامل، جاب شبيحة النظام المدينة ونهبوا كل الممتلكات". يضيف حبيب أنّه "بعد هذه الفترة، سمح النظام بدخول الأهالي إلى المدينة في مقابل بدل أُلغي لاحقاً، وسُمح لبعضهم بالتوجّه إلى بيوتهم مباشرة والشروع في إنجاز أعمال إصلاحها. ثمّ شمل قرار النظام الخاص بالعودة الجميع بلا استثناء. لكنّ كل نفقات إزالة الأنقاض وعملية تمويل البلدية لتنفيذ هذا الأمر دفعها الأهالي من جيوبهم الخاصة، في حين لم تكن البلدية تملك أيّ آلية أو سيارة شحن أو جرافة. ولاحقاً، افتتح الأهالي بمبادراتهم الذاتية جوامع أنس بن مالك والمصطفى والحسن، ما دفع مجموعة من أهاليها الذين استأجروا بيوتاً في صحنايا بمعضمية الشام إلى العودة، على الرغم من أنّ نسبة الدمار كانت تتجاوز 90 في المائة حينها. وبعدها، شهدت بعض الحارات استقراراً نوعياً، بينها الشاميات وسط المدينة".

داريا المدمرة عام 2016 (سترينغر/ فرانس برس)
داريا المدمرة عام 2016 (فرانس برس)

ويتابع حبيب أنّ "تراجع النظام بالكامل عن قرار منع أيّ شخص من دخول المدينة وترميم منزله، زاد عدد العائدين الذين أنشأوا فرناً ومتاجر ومدرسة. واليوم يناهز عدد الأهالي 20 ألفاً، في وقت يضاعف النظام من تقدير هذا الرقم. وهؤلاء يقيمون في المدينة متحمّلين افتقارها إلى أدنى مقومات الحياة، من كهرباء وماء وصرف صحي، إلى جانب سوء حال البنى التحتية، ما يجعل مَن يملك لوحاً للتزوّد بطاقة شمسية في حال أفضل من سواه. لكنّ الوضع العام سيّئ جداً".

من جهته، يؤكد وائل عبد العزيز وهو من أبناء المدينة لـ"العربي الجديد"، أنّ "العائدين يفضّلون العيش في بيوتهم المدمرة على دفع بدلات إيجار مرتفعة لبيوت في دمشق أو في مناطق الغوطة الغربية المحيطة بداريا. لكنّهم يواجهون عوائق الدمار الهائل في المدينة، وانعدام أبسط مقومات الحياة، وغياب الأمان. وعلى سبيل المثال، أخبرني واحد من الأهالي أنّه أحضر مواد بناء لإجراء أعمال صيانة في منزله، قبل أن تُسرق في خلال نحو نصف ساعة". ويلفت عبد العزيز إلى أنّ "العائدين إلى المدينة يواجهون التأثيرات السلبية الكبيرة لعمليات التشبيح ضدهم التي تمارسها مليشيات قوات الدفاع الوطني التابعة للنظام".

أمّا العائد ياسر أبو عمار فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "حيّ المهايني الأكثر قرباً من مركز المدينة مفصول بسواتر ترابية"، مشيراً إلى أنّ "الأهالي يعانون للحصول على الخبز وخدمات الكهرباء والمياه، على الرغم من أنّهم دفعوا فعلياً ثمن خمسة مولدات كهربائية وتكفلوا بصيانتها، ويشترون مياه الصهاريج". ويرى أبو عمار أنّ "النظام يحاول الانتقام من الأهالي، إذ أمر البلدية بهدم منازل مخالفة، وأبقى طرقات رئيسة مغلقة، من بينها طريق داريا - صحنايا. كذلك يتعمّد إخضاع كل الخدمات للتقنين، ويبلّغ الأهالي أنّهم تسبّبوا في تدمير المدينة وشبكة المياه غير الصالحة للشرب عموماً، وبأنّ لا حلول متوفّرة لإصلاح شبكة الكهرباء. وهو يجبر بعض التجّار على تمويل تشغيل دوائر. وهكذا يظلّ الدافع الوحيد لعودة الأهالي هو غلاء بدلات إيجار المنازل (في خارج المدينة) الذي يحتّم عليهم ملازمة بيوتهم المدمّرة بمعظمها".

المساهمون