بعد مرور أقلّ من ثلاث سنوات على بدء رئاسة فولوديمير زيلينسكي أوكرانيا، يبدو أن منام معلم التاريخ المتواضع، فاسيلي هولوبورودكو، بطل المسلسل الساخر "خادم الشعب" الذي انتخب رئيساً لأوكرانيا يتكرر، ولكن بعيداً تماماً عن السخرية والكوميديا هذه المرة.
رأى هولوبورودكو في منامه أن جميع الأوكرانيين غادروا البلاد بعد إلغاء نظام تأشيرات الدخول إلى الاتحاد الأوروبي بحثاً عن غد مشرق وأنه بقي وحيداً في بلاده. والآن، بعد بدء قوات الجيش الروسي حرباً واسعة النطاق في مختلف أنحاء أوكرانيا، تعيش العاصمة الأوكرانية كييف حالة من الذعر بعد توجّه قسم من سكانها إلى مغادرة العاصمة، الأمر الذي أدى إلى تكدس السيارات على الطرقات المؤدية إلى مخارج المدينة. في المقابل، اختار آخرون البقاء وعدم الاستجابة لحالة الذعر، معتبرين أنه لا جدوى من المغادرة بسبب التكدس المروري. كما رفضوا الاستسلام للعملية العسكرية التي شنتها روسيا في صراع أوكرانيا من أجل الوجود. استيقظ الباحث الأكاديمي الأوكراني إيغور سيميفولوس، على صوت القصف الجوي على مطار "بوريسبول" الكائن في ضواحي كييف عند الساعة الخامسة من صباح أمس، وسط حالة من الذعر تسود العاصمة الأوكرانية كييف. ويخشى الأهالي أن تطول الحرب. يقول سيميفولوس في اتصال مع "العربي الجديد" من كييف: "استيقظت عند الساعة الخامسة صباحاً على دوي القصف الروسي والضربات الجوية للنظم الأوكرانية للدفاع الجوي، مما خلق حالة من الذعر في المدينة". يضيف: "توجه الناس إلى المتاجر لتخزين بعض المواد الأساسية الضرورية، وزودوا سياراتهم بالوقود. كما تشكلت بعض الطوابير أمام ماكينات سحب الأموال، وأصبح ركوب مترو الأنفاق مجانياً. كما غادر كثيرون كييف باتجاه المناطق الريفية أو مدن غرب أوكرانيا وحتى بولندا التي سهلت إجراءات دخول الأوكرانيين وأعفتهم من إجراءات مكافحة كورونا، بالإضافة إلى تقديم مختلف أنواع العون الإنساني للأوكرانيين".
وبالتزامن مع ذلك، انتشرت على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي صور ومقاطع الفيديو لتكدس سيارات الراغبين في مغادرة كييف هرباً من القصف الروسي. وأفادت وسائل إعلامية بأن حركة السيارات على الطريق السريع كييف - جيتومير كاد أن يتوقف بسبب كثرة السيارات الخاصة.
ولفت ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنه على عكس ما جرت عليه العادة، وهو أن تكون السيارات متجهة في ساعات الصباح من الضواحي إلى قلب المدينة، فإن مشهد شوارع كييف جاء مغايراً تماماً صباح أمس.
يرى سيميفولوس أنه "لا جدوى من الهروب من كييف في الوقت الحالي، إلا أن بعض الأشخاص استجابوا للخوف". ويلفت إلى أن الهجوم الروسي المباشر على أوكرانيا جاء متوقعاً ومفاجئاً في آن. صحيح أن الهجوم كان متوقعاً، ولكنه لم يكن أحد يصدق ذلك، بينما جاءت تقديرات الأجهزة الاستخباراتية دقيقة هذه المرة. الأهم الآن بالنسبة إلينا هو تمكن الجيش من التصدي للموجة الأولى من الهجوم".
من جهتها، نقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن أحد شهود العيان من السكان المحليين في كييف قوله إن حالة الفوضى تسود المدينة، بينما لا يفهم أحد ماذا يجري. وقال: "هناك حالة من عدم الفهم التام، وفوضى على شبكات التواصل الاجتماعي. لا نفهم. هل نسترشد بالبيانات الرسمية أو بشبكات التواصل الاجتماعي؟". مع ذلك، أكد توفر الكهرباء والمياه في المدينة، واستمرار عمل خدمات اتصالات المحمول والإنترنت، وسط سماع دوي صفارات الإنذار وتوجه أعداد هائلة من السيارات نحو المخرجين الغربي والجنوبي من المدينة.
في هذا السياق، تقول سيدة تدعى سفيتلانا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "لا نعرف ماذا يجب أن نفعل الآن. نحن في طريقنا إلى مكان يمكننا أن نكون فيه بأمان، ونأمل أن نتمكن من المغادرة بأمان. بعض من أفراد عائلتنا متواجدون في ماريوبول (مدينة في الجزء الجنوبي الشرقي أوكرانيا)، ويشعرون بقلق شديد". في هذا الوقت، سأل زوجان كان يتابعان آخر التطورات عبر هاتفيهما النقالين: "أين الناتو؟ (منظمة حلف شمال الأطلسي)؟".
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن ييفيني بالاي قوله: "إنه ذعر، ألا ترى؟"، في إشارة إلى صف من الأوكرانيين كانوا يقفون خارج بنك مغلق في سلافيانسك (الجزء الشرقي من البلاد). وقال: "حصلوا على ما أرادوا أي الذعر وزعزعة الاستقرار". فيما قالت امرأة تدير بنك دم في شرق أوكرانيا للصحيفة: "عشنا ثماني سنوات في حرب لا تنتهي". "لا يوجد مكان للهرب. كل أوكرانيا تنفجر".