رمضان تركيا... حزنٌ لا يلغي تزيين المساجد بالمحيّا
يتميّز شهر رمضان في تركيا بطقوسه. يحتفي الناس بحلول الشهر الفضيل الذي يسمونه "سلطان الأشهر"، ويستعيدون على اختلاف انتماءاتهم طقوس العثمانيين سواء لناحية إعداد الطعام وتزيين البيوت والتئام الأسر والتواصل. يساعد الناس بعضهم بعضاً من خلال إيفاء ديون الفقراء وشراء دفتر ديون السمّان وإحراقه. ويحيون الكثير من السلوكيات أو الطقوس القديمة، منها زيارة المقابر وتزيين الشوارع والمساجد وشرفات البيوت.
تبقى لرمضان خصوصيّته على الرغم من الحزن الذي عمّ البلاد بعد الزلزال المزدوج الذي ضرب مناطق الجنوب في السادس من فبراير/ شبط الماضي. إلا أن الاحتفال صعب في ظل المآسي التي يعيشها منكوبو الزلزال. ويقول مصدر في حزب العدالة والتنمية الحاكم لـ"العربي الجديد"، إنّ "خلو رمضان الحالي من مراسم الاحتفالات المعهودة يشير إلى أن الحزب والرئيس رجب طيب أردوغان نفسه وجها بإلغاء الاحتفالات الموسيقية خلال الحملات الانتخابية المستعرة الآن. احترام مشاعر آل الضحايا أولوية، بالإضافة إلى لملمة الجراح ومساعدة الناجين. في الوقت نفسه، لا شأن للدولة بأي احتفال خاص. الجميع أحرار بمنازلهم وممارسة ما يريدون. لكن على المستوى العام لن تكون هناك احتفالات".
وفي ما يتعلق بتزيين المساجد وإقامة موائد رمضان، يوضح المسؤول: "الأمر مختلف هنا. هذه طقوس محببة وليست احتفالات. بدأنا بتزيين المساجد الكبرى في إسطنبول وأنقرة وبورصة وقونيا وغيرها. لكن للأسف، ستغيب الزينة عن معظم مآذن الولايات المنكوبة، كأنطاكيا وكهرمان مرعش وشانلي أورفا وملاطية. أما موائد الرحمن، فسنكثر منها في ولايات الجنوب. كما أن بيوت الطعام لم تتوقف منذ الزلزال"، ويشير إلى أن البلديات التابعة لحزب العدالة والتنمية ستزيد من الموائد والمساعدات خلال رمضان. ولا يستبعد أن تقوم الأحزاب المنافسة، وحتى العلمانية كحزب الشعب الجمهوري بالأمر نفسه، إذ إن شهر رمضان يأتي هذا العام في سياق ذروة الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية، وقد تندرج موائد الرحمن وسلل الغذاء ضمن حملات الأحزاب.
والمحيّا، أي ربط حبال الزينة المضاءة بين مآذن المساجد، هو أحد الطقوس التي حافظت عليها البلاد هذا العام. ووضعت المساجد الكبرى في إسطنبول، كالفاتح وسلطان أحمد وحتى آيا صوفيا، المحيّا مرحبة بسلطان الشهور. والعبارات التي تكتب بالأضواء تحدّدها رئاسة الشؤون الدينية، وتحث جميعها على الوعي والتآخي والتعاون.
ويعود تزيين المآذن إلى أكثر من 450 عاماً. وكانت تُعلّق مصابيح زيتية بسبب عدم توفر الكهرباء بعد. لكنها تراجعت بعد تأسيس الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923. وتلاشت العادات والممارسات الدينية بشكل تدريجي وصولاً إلى منع رفع الأذان خلال فترة حكم عصمت إينونو، الذي أغلق معظم المساجد وحول بعضها إلى مستودعات وإسطبلات.
وفي قانون الموازنة العمومية الذي صدر عام 1927، وردت مادة متعلقة بما سُمي في ذلك الحين "مشكلة المساجد في تركيا"، تفيد بأن تركيا تملك الكثير من المساجد، وأكثرها فائض عن الحاجة، ولذلك يجب إغلاق أو تدمير العديد من المساجد. وعام 1928، وفقاً لهذا القانون، تم تدمير مساجد في عدد من المدن، مثل توكات وأماسيا وجوروم على البحر الأسود، وكوتاهيا في منطقة الأناضول الغربية، وأضنة في جنوب تركيا، وأسكي شهير في وسط تركيا.
ولا يشمل وضع المحيا جميع مآذن مساجد البلاد وعددها 84690 مسجداً، منها 3269 في إسطنبول، بل تقتصر الزينة على على المساجد الكبرى بإشراف رئاسة الشؤون الدينية.
وكهرمان يلديز، الذي يتولى التزيين كونه الأشهر في هذه المهنة، أعد فريقاً يشرف عليه، كونه بلغ 67 عاماً من العمر. ويتولى تزيين المساجد الكبرى في كل من بورصة وأدرنة وإسطنبول. وبحسب تصريح سابق لـ"أسطة المحيا" يلديز، يقول إنه تعلم تركيب المحيا على يد "المحياجي" الأخير في العهد العثماني الحاج علي جيلان، واستمر بالمهنة حتى عام 2013 حين تقاعد. لكنه عاد إلى المهنة ليعلم فريقه عزيز طوصيالي وسليمان كوك ورمضان قزل قايا وملك يوزطاش أصولها ويستمر في الإشراف عليهم حتى اليوم، خصوصاً خلال تركيب المحيا بمساجد إسطنبول الكبرى الأزرق، الجديد، سلطان أيوب والسليمانية بولاية أدرنة ومسجد أولو ببورصة. يضيف أنه تعلم هذه المهنة ومارسها قبل 50 عاماً، والعبارات التي تكتب من خلال الأضواء بين المآذن تحددها رئاسة الشؤون الدينية، وقد تولى كتابة العبارات مفتي إسطنبول.
وتختلف مهنة المحياجي عن مهنة أولئك الذين يتولون صيانة وطلاء المآذن، كما أنها أكثر خطراً، علماً أن الأدوات اللازمة متوفرة لتسهيل العمل وجعله آمناً. ويذكر الأتراك توران ماطور (43 عاماً)، أو من ينعتونه بـ"الرجل العنكبوت" نظراً لتعلقه على المآذن خلال الإصلاح أو الطلاء. وتعلّم توران، المتحدر من ولاية جناق قلعة، المهنة من المعلم يعقوب، وامتهنها منذ أكثر من 25 عاماً، إذ يجوب جميع أنحاء تركيا للعمل على إصلاح وطلاء المآذن. وفي ما يتعلق بالمخاطر التي يتعرض لها، يقول: "أتسلق المآذن بواسطة أسطوانة ﻷتمكن من التحرك بحرية في اﻷعلى، مشيراً إلى أن لقب العنكبوت لحق به لأنه يتحرك ويتنقل كالعنكبوت حول المآذن المرتفعة.