رمضان يُثقل كاهل فلسطينيي لبنان
الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان في ظل تدهور الليرة البنانية، أدّت إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية والأدوية والمحروقات ومختلف متطلبات الحياة اليومية. وتزداد المعاناة خلال شهر رمضان، في ظل ارتفاع نسبة البطالة وأسعار السلع الغذائية. بالتالي، لن يكون بمقدور كثيرين تأمين مستلزمات الشهر الأساسية. تقول أم أحمد المقيمة في مخيم شاتيلا: "لن أتمكن من تأمين متطلبات وجبات إفطار كالمعتاد هذا العام. سابقاً، كانت موائدنا تمتلئ بأشهى الأطعمة، واعتدنا إعداد الفتوش وشراء التمر والعصائر التي ننتظرها من عام إلى عام، كالجلاب والسوس. لكن في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، ضاعت قيمة رواتبنا بالعملة اللبنانية". تضيف أنها عاملة نظافة في مدرسة، وبالكاد تستطيع تأمين بعض اللوازم الأساسية التي تكفيها أسبوعاً واحداً، و"علّقت الاشتراك بمولد الكهرباء على الرغم من انقطاع التيار الكهربائي معظم الوقت. جاء شهر رمضان من دون أن نكون قادرين على تأمين وجبات إفطار".
من جهته، يقول علي محمد المتحدر من درعا، جنوبيّ سورية، والذي يتجول في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة بيروت، بائعاً للتمر الهندي: "أبيع التمر الهندي منذ أن قدمت إلى المخيم قبل عشر سنوات. كان العمل يسير جيداً، لكن تراجع بيعه اليوم. وبالكاد أستطيع تأمين احتياجاتي الضرورية بعدما ارتفعت الأسعار كثيراً خلال الأعوام الماضية. على سبيل المثال، كنت أبيع الكوب الواحد بـ 1500 ليرة لبنانية، ليرتفع اليوم إلى 20 ألف ليرة (الدولار الواحد بـ 110,000 ليرة لبنانية). وبالتالي، لا خيار أمام الناس إلا شراء السلع الأساسية والاستغناء عن العصائر". يتابع محمد قائلاً إن "التمر الهندي شراب الصائم المفضل. لكن هذا العام، لا أظن أن الصائم سيفكر في شراء التمر الهندي. وبدلاً من شراء ليتر من هذا الشراب، سيشترون الخبز لإطعام أولادهم. بات الناس يعيشون تحت رحمة الدولار والتجار". لدى محمد ثلاثة أولاد، وبدل إيجار منزله مائة دولار، والاشتراك بمولد الكهرباء 24 دولاراً. والمال الذي يحصل عليه من خلال عمله بالكاد يسد هذه النفقات "سيكون شهر رمضان صعباً على الجميع" يقول.
من جهته، يقول بائع الخضار أحمد حمصي الذي يسكن في المخيم: "أبيع الخضار منذ نحو 25 عاماً، ولم أشهد أزمة اقتصادية كالتي نشهدها اليوم. باتت كلفة إعداد صحن الفتوش مرتفعة"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن ارتفاع الأسعار الجنوني مرده إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، عدا عن جشع التجار. يضيف أنه خلال شهر رمضان الماضي، "كنّا نبيع باقة البقدونس بأكثر مما نبيعها اليوم، لكن كان سعر الصرف أقل. اليوم، تتدهور العملة اللبنانية بسرعة كبيرة ولم يعد باستطاعة الناس تحمّل أعباء التدهور المالي الحاصل".
أطلق حمصي مبادرة على تطبيق واتساب لحثّ الناس على التبرع أو دفع زكاة أموالهم، بهدف تأمين الخضار للفقراء ليتمكنوا من إعداد الفتوش، لافتاً إلى أنه لم يعد بمقدور كثيرين شراء الخضار. وهذه المبادرة تشجع الناس على مساعدة بعضهم لبعض. يضيف: "بالإضافة إلى الخضار، لم يعد بمقدور كثيرين شراء اللحمة والدجاج. لذلك، يجب تأمين الخضار على الأقل. إذ يحتاج الصائم إلى تناولها في ظل عدم قدرته على شراء اللحوم".
أما الحاجة معينة شرف الدين، وهي من منطقة عائشة بكار في بيروت، فتشتري ما تحتاجه من سوق صبرا في المخيم. تقول: "لم يعد باستطاعتنا تحمّل هذه الأسعار، ولا نعرف ما الذي يمكن فعله، في ظل صمت الناس أمام هذا الانهيار غير الطبيعي وغياب الدولة. لم يعد باستطاعتنا شراء الألبان والأجبان واللحوم، ونشتري الخضار بالحبة. لا أعلم كيف سنكمل حياتنا".
تضيف: "يعمل ابني على إيصال الأغراض، وراتبه ستة ملايين ليرة لبنانية (حوالى 55 دولاراً). ليس لدينا كهرباء في البيت لأننا لا نستطيع دفع مبلغ الاشتراك الذي يفوق راتب ابني بكثير، كذلك ليست لدينا ثلاجة في البيت". أما أم فراس، وهي من سكان مخيم شاتيلا، فتقول: "كنا نتمنى أن يأتي رمضان هذا العام في ظروف مشابهة للعام الماضي. لكن لا يوجد ما يبشر بالخير في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني. في السابق، كنا نشتري أغراضنا بالجملة، ونجهز لشهر رمضان قبل حلوله بأسبوع تقريباً. أما اليوم، فصرنا نكتفي بالأرز والسكر، وسنستغني عن اللحوم والدجاج". يعمل زوجي ساعات إضافية، "وما يتقاضاه لا يكفي لسد احتياجاتنا الضرورية".