أثارت واقعة إطلاق النار في إحدى مدارس مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان في روسيا، نقاشات واسعة على مستوى البلاد حول ضرورة تشديد قوانين حيازة السلاح، وسط تشكيك خبراء القانون وعلم النفس في أن يضمن ذلك عدم تكرار مثل هذه الحوادث في ما بعد. ووقعت الحادثة التي أثارت الضجّة في 11 مايو/أيار الجاري، حين أطلق شاب في التاسعة عشرة من عمره، يُدعى إلناز غاليافييف، النار في المدرسة رقم 175، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص من بينهم سبعة أطفال وإصابة أكثر من 30 شخصاً آخرين.
أتى ذلك وسط دهشة المجتمع الروسي التي ازدادت عندما تبيّن أنّ غاليافييف اشترى بندقيته بشكل قانوني واستلم ترخيص السلاح قبل الحادثة بأسبوعَين فقط، ما دفع بالكرملين إلى التوجيه بتشديد قوانين تجارة السلاح وحيازته. ومع ذلك، يرى المعالج النفسي يفغيني إدزيكوفسكي أنّ حتى تشديد قوانين حيازة السلاح لن يضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل، مقرّاً في الوقت نفسه بأنّ وجود السلاح بكثرة بين أيدي السكّان يزيد من معدّل الجرائم.
ويقول إدزيكوفسكي لـ"العربي الجديد": "أظنّ أنّه مصاب بمرض عقلي، لكنّ اللغز يكمن في كيفية تسليمه سلاحاً. وما زاد الضجة حول القضية هو أنّ ضحايا الواقعة بمعظمهم هم تلاميذ مدرسة. وبعد كلّ حادثة كهذه تتعالى الأصوات المطالبة بتشديد الإجراءات، لكنّ ذلك لن يلغي أن يرتكب معتوهون حوادث فردية". وحول رؤيته للإجراءات التي يمكن اتّخاذها للحدّ من حوادث إطلاق النار، يوضح أنّه "يجب أوّلاً الكف عن تناول مثل هذه الحوادث في وسائل الإعلام لعدم إثارة الرغبة لدى المصابين بأمراض عقلية في محاكاتها. كذلك قد يكون مجدياً رفع السنّ القانونية لحيازة السلاح من 18 إلى 25 عاماً، إذ إنّ الأمراض العقلية غالباً ما تظهر ما قبل ذلك". ويخلص إدزيكوفسكي إلى أنّه "كلما ازدادت حيازة السلاح في المجتمع، ازدادت الحوادث كذلك"، مستشهداً في ذلك بالنموذج الأميركي الذي يكفل حقّ حيازة السلاح على مستوى الدستور في حين تُعرف الولايات المتحدة الأميركية بكثرة حوادث إطلاق النار في المدارس مقارنة بروسيا.
بدورها، تقرّ المحامية فيكتوريا دانيلتشينكو بأنّ تشديد قوانين حيازة السلاح لن يمنع تكرار الحوادث، داعية إلى التركيز على تشديد عملية إصدار تراخيص السلاح. وتقول دانيلتشينكو لـ"العربي الجديد" إنّه "من وجهة نظري، فإنّ تشديد قوانين حيازة السلاح لن يمنع الحوادث بشكل كامل، على غرار تلك التي وقعت في قازان، إذ إنّ شخصية المعتدي لها الدور الرئيسي في الحادثة، فيما وسيلة الهجوم هي مسألة ثانوية إذ كان في إمكانه استخدام السلاح الأبيض".
وحول رؤيتها لإجراءات تشديد حمل السلاح، توضح أنّه "من وجهة نظري، يجب التركيز بشكل أساسي على عملية إصدار التراخيص وشراء السلاح نفسه. أوّلاً، يجب استبعاد النهج الإجرائي في مسألة فحص الطبيب المتخصص في الأمراض العقلية، وتشديد المسؤولية لمن يمنح ترخيصاً لمواطنين يعانون اضطرابات عقلية وارتكبوا جريمة باستخدام السلاح. ثانياً، يجب استبعاد مفهوم شراء الشهادة الطبية، لا سيّما عندما يتعلق الأمر بترخيص شراء السلاح، وأظنّ أنّه من الممكن حلّ هذه المسألة عن طريق إنشاء سجلّ حكومي موحّد لمن تحقّ لهم حيازة السلاح". وتقلل دانيلتشينكو من فاعلية وتأثير رفع السنّ القانونية لحيازة السلاح، قائلة: "لا أظنّ أنّ ثمّة جدوى من رفع السن القانونية لحيازة السلاح إلى 21 عاماً، إذ إنّ سنّ التجنيد في روسيا هي 18 عاماً، ويتمّ تسليم الجنود سلاحاً للمشاركة في الدوريات، وإلا كيف يؤدّون الخدمة العسكرية؟".
وهذه ليست المرة الأولى التي تُطرح فيها مسألة تشديد قوانين حيازة السلاح في روسيا، في خلال الأعوام الأخيرة، إذ تعالت الأصوات المطالبة بذلك بعد حادثة مقتل أكثر من 20 شخصاً من جرّاء إطلاق النار في معهد تقني في مدينة كيرتش الواقعة في شبه جزيرة القرم في عام 2018. لكنّ السلطات الروسية تبدو عازمة هذه المرة أكثر من غيرها على المضيّ قدماً في إجراءات تشديد إجراءات حيازة السلاح، إذ أكّد المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلّف رئيس هيئة الحرس الروسي فيكتور زولوتوف بإعداد حكم جديد حول أنواع الأسلحة التي يمكن تداولها في الإطار المدني بين أيدي السكان.يخضع تداول السلاح في روسيا حالياً لقانون يعود إلى عام 1996، وهو يتيح للأشخاص البالغين الذين تجاوزوا 18 عاماً اقتناء البنادق (لا المسدسات ولا الأسلحة الآلية)، شريطة الخضوع لعدد من الفحوص الطبية واجتياز دورة التعامل الآمن مع السلاح وشراء خزانة خاصة لحفظه.