في اليوم التالي لوقوع الزلزال الذي ضرب إقليمي بكتيكا وخوست جنوبي أفغانستان، صباح الأربعاء، ما زال من المبكر بعض الشيء حصر كل الأضرار. تؤكد حكومة حركة "طالبان" أن حصيلة الضحايا ارتفعت إلى 1500 قتيل ونحو ألفي جريح، في وقت تقول مصادر محلية لـ "العربي الجديد" إن حصيلة الضحايا أكبر مما تم الإعلان عنه حتى الآن، وخصوصاً أن عمليات الإنقاذ مستمرة ويُعتقد أن كثيرين ما زالوا تحت الركام. كما تشير إلى أن عمليات الإنقاذ ما زالت متعثرة إلى حد ما بسبب هطول الأمطار وحدوث فيضانات في بعض المناطق، بالإضافة إلى وعورة الطرقات الأمر الذي يجعل الوصول إلى المناطق النائية المتضررة من جراء الزلزال صعباً.
في هذا السياق، يقول الإعلامي الذي كان متواجداً في مكان حدوث الزلزال رحيم خوشحال خان لـ "العربي الجديد": "ما حصل كارثة إنسانية. ثمة قرى نائية أبيدت بالكامل وقد وصلت إليها فرق الإنقاذ متأخرة. بالتالي، ما زالت عمليات الإنقاذ مستمرة، الأمر الذي ينذر باحتمال ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية. أما الخسائر المادية، فإنها تفوق ما يمكن تصوره، وتحتاج المنطقة إلى دعم كبير ومتواصل ولفترة طويلة، بالإضافة إلى حملة إغاثية كبيرة حتى بعد الانتهاء من عمليات الإسعاف". كما يوضح أن منازل الناس تحولت إلى مستشفيات ميدانية في ظل النقص في المعدات الطبية. وكان الأطباء يشكون من جراء عدم توفر الأدوية المناسبة، مشيراً إلى أن بعض القبليين عمدوا إلى إخراج ذويهم القتلى من تحت الركام، ويواصلون البحث عن مفقودين آخرين تحت الركام. وهذه مشاهد محزنة للغاية، لا سيما وأنهم لا يملكون ما يأكلونه أو يشربونه".
من جهته، يوضح الزعيم القبلي ميرويس فاروق في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه خسر 18 من أفراد عائلته وأقاربه، لافتاً إلى أن عشرة قرى بأكلمها قد أصبحت أثراً بعد عين ودمرت بشكل كامل في مديرية برمل، كما دمرت سبع قرى بأكملها في مديرية غيان (المديريتان الأكثر تضرراً في ولاية بكتيكا). يضيف: "الكارثة كبيرة. نحن شعب فقير، وخصوصاً في ولاية بكتيكا الحدودية مع باكستان حيث يعتمد الناس على الزراعة وتربية المواشي". يعجز كثيرون عن تأمين قوت يومهم وقد فقدت عائلات العديد من أقاربها ودمرت منازلها. ومع بدء هطول الأمطار وتوقع حدوث فيضانات، لا أدري لماذا ما زال العالم نائماً. ألسنا نحن بشرا أيضاً؟ لم تصل إلينا أية مساعدات باستثناء دعم محلي محدود".
وحول الوضع الطبي، يقول محمد سرور سعادت، أحد العاملين في مستشفى أركون (مديرية مجاورة للمناطق المنكوبة) لـ "العربي الجديد": "الوضع كان صعباً جداً خلال الساعات الأولى لوقوع الزلزال في ظل غياب المستشفيات في المناطق المتضررة، باستثناء عيادات بالكاد تتسع لخمسة أشخاص. كما أن عدم توفر وسائل المواصلات شكل عائقاً أمام وصول المصابين إلى المستشفيات. واجهنا ضغوطاً كبيرة. لكن منذ صباح أمس، وصلت فرق طبية من كابول بالإضافة إلى أدوية ومعدات طبية، وبات الوضع الطبي أفضل. مع ذلك، نواجه الكثير من المشاكل ونحتاج إلى مساعدات كثيرة لأن عدد المصابين كبير".
خسائر
أسباب كثيرة ساهمت في زيادة حجم الخسائر البشرية، أبرزها أن الزلزال وقع منتصف الليل، ومعظم سكان المنطقة مزارعون يعملون نهاراً في الحقول ويعودون إلى بيوتهم مساء. بالتالي، كان الناس داخل منازلهم ما تسبب في ارتفاع عدد الضحايا. يقول الطبيب المتخصص في جراحة الأعصاب عبد الله حفيظ، والمتواجد حالياً في المنطقة المتضررة، لـ "العربي الجديد": "بنيت المنازل الطينية في المنطقة بشكل بدائي للغاية لأن الناس فقراء ما يعني أن أي هزة أرضية يمكن أن تؤدي إلى كارثة". يضيف أن بعض الأهالي المتضررين أشاروا إلى تأخر عمليات الإنقاذ، وخصوصاً أن المنطقة نائية. ولم تصل أية مساعدات إلى الناس حتى الفجر.
من جهته، يقول أحد المتضررين ويدعى محمد منصور، وهو من قرية دنكل كد في مديرية برمل (تقع على الحدود مع مديرية كيان، وكانت قد تضررت بشكل كبير): "فقدت ستة من أفراد عائلتي، وهناك خمسة جرحى. كنت أستغيث طوال الليل من دون أن يساعدني أحد لأن حال جميع الناس كان مثل حالي. المنازل كلها دمرت. في الصباح، وصل أفراد قبائل من مناطق مختلفة وساعدوني في إخراج القتلى والجرحى.
اعتماد على وسائل محلية
وفجر يوم أول من أمس، تحركت الحكومة والقبائل ووصلت فرق الإنقاذ والفرق الطبية إلى المنطقة المنكوبة. ولم تكتف عناصر القبائل بالمساهمة في عملية الإنقاذ، بل ساهمت في توفير الإيواء والطعام وتقديم الدعم الطبي للمصابين. كما أن التجار والأغنياء في أفغانستان أعلنوا إيصال المساعدات الأولية إلى المتضررين.
وكان وزير الدفاع الأفغاني الملا محمد يعقوب قد توجه إلى المنطقة للإشراف على أعمال الإغاثة بنفسه، وفق ما أعلنت طالبان. كما ساهمت قوات الجيش في عملية الإسعاف، بالإضافة إلى توجيه أساتذة وطلاب كليات الطب في الجامعات المجاورة إلى المنطقة المنكوبة للمساهمة في عمليات الإسعاف. وعمدت مؤسسات محلية، على رأسها منظمة الهلال الأحمر الأفغاني، إلى إيصال بعض المساعدات. ويقول الناطق باسم الهيئة عرفان الله شرف زوي لـ "العربي الجديد" إن إرسال المساعدات الأولية مستمر من قبل منظمة الهلال الأحمر الأفغاني، من بينها الخيام والملابس والاحتياجات الأولية للحياة عموماً. وما زالت الهيئة تعمل بالتنسيق مع المؤسسات الخيرية الأخرى والإدارات المعنية في الحكومة لإيصال أكبر قدر من المساعدات. كما ساهمت منظمة الهلال الأحمر التركي بإيصال بعض المواد الغذائية بالتنسيق مع منظمة الهلال الأحمر الأفغاني، إلا أنها محدودة بالمقارنة مع حجم الكارثة.
مناشدات لإيصال المساعدات
ومع بداية الكارثة، ناشدت حكومة طالبان والمؤسسات المحلية المجتمع الدولي التحرك لمساعدة المتضررين والمساهمة في تقديم الإسعافات وإيصال المساعدات الأولية. وكان زعيم الحركة الملا هيبت الله أخوند أول من دعا العالم إلى تقديم المساعدات إلى متضرري الزلزال. إلا أن المجتمع الدولي اكتفى حتى الآن بالوعود ولم تصل أي مساعدات إلى المناطق المنكوبة، علماً أن إمكانيات حكومة طالبان والقبائل المحلية هشة.
وقال نائب وزير مواجهة الأحداث الطبيعية والكوارث في حكومة طالبان شرف الدين مسلم، في مؤتمر صحافي في كابول، إنه "من الصعب جداً تحديد حجم الكارثة والأرقام النهائية للخسائر، لكنها كارثة كبيرة، وشعبنا فقير يحتاج إلى مساعدات. من هنا نتطلع أن يمد المجتمع الدولي يد العون للشعب الأفغاني في هذه الفترة العصيبة".
وثمة عقبات كبيرة تحول دون وصول المساعدات الدولية، منها غياب التواصل وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين حكومة طالبان ودول العالم، وخصوصاً الدول الكبيرة كالولايات المتحدة الأميركية. بالتالي، فإن أي مساعدة من قبل تلك الدول ستكون عبر الشركاء في المنطقة، أو بعد البحث عن آلية ملائمة وهذا يحتاج إلى وقت، في حين أن حجم الكارثة كبير ويحتاج إلى خطوات لازمة وسريعة.
وكانت معظم المؤسسات الدولية سواء كانت معنية بحقوق الإنسان أو بالشأن العام قد أغلقت أبوابها بعد سيطرة طالبان على كابول منتصف أغسطس/ آب الماضي. وحتى الأمم المتحدة التي أعلنت أنها بحاجة إلى 15 مليون دولار لمساعدة المتضررين من جراء الزلزال، عاجزة عن المساعدة. ويصعب وضع آلية لإيصال تلك المساعدات، وما من وسيلة في الوقت الحالي سوى الاعتماد على حكومة طالبان أو بعض المؤسسات المحلية التي تعمل حالياً لمساعدة المتضررين، أو من خلال الشركاء في المنطقة كباكستان والهند وغيرهما. وكل ذلك يحتاج إلى فترة زمنية بينما تحتاج المناطق المنكوبة إلى دعم دولي سريع.