ترتفع أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية بنحو مطّرد في مناطق شمال غربيّ سورية، بسبب تفشّي الفقر وعدم توافر الغذاء المناسب للأطفال، الأمر الذي يجعل الأطفال عرضة للإصابة بالأمراض ويضعف جهاز المناعة لديهم. كذلك يكونون أكثر عرضة للوفاة من أقرانهم الذين يتمتعون بتغذية جيّدة بمعدّل 11 مرة، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".
ويقول طبيب الأطفال فيّاض بيازيد، العامل في مركز العيناء الصحي بتجمّع مخيّمات كللي شماليّ محافظة إدلب، لـ"العربي الجديد"، إن "البيئة فقيرة في المخيمات، وتنتشر فيها الإصابات بسوء التغذية لدى الأطفال. ولسوء التغذية درجات: هناك سوء التغذية الشديد، وسوء التغذية المتوسط، وسوء التغذية العادي".
ويوضح أن "تحديد مستوى سوء التغذية لدى الأطفال يكون من خلال إجراء التحاليل المخبرية. فإمّا أن يكون سببه غذائياً ناجماً عن نوعية الطعام، أو عن سوء الامتصاص في الأمعاء. وتحدّد درجة الإصابة بناءً على التحاليل المخبريّة. إن كانت الإصابات خفيفة ومتوسّطة، تُعالَج في المركز. أمّا حالات الإصابة بسوء التغذية الشديد، فتحال على المستشفيات". ويلفت إلى أن "علاج الحالات المتوسّطة والخفيفة يكون من خلال استخدام المكملات الغذائية وأنواع من الأغذية".
ولا يمرّ يوم من دون أن يراجع المركز حالة أو حالتان لأطفال مصابين بسوء التغذية، يوضح بيازيد. ويقول: "نحوّل الحالات التي تتطلب متابعة إلى المستشفيات. وبالنّسبة إلى الحالات الأخرى، نقدم ما يتوافر لدينا من أدوية".
الطفلة مريم الحسين، التي ترعاها والدتها أم محمد منصور، النازحة من منطقة سهل الغاب في ريف حماه الغربي، تعاني من سوء التغذية منذ توقفت عن الرضاعة الطبيعية. وتوضح الأم لـ"العربي الجديد": "كانت صحّتها جيّدة، وبدأت بالتراجع بعد فطامها، أصيبت بسوء التّغذية فراجعت عدّة مشافٍ، وقبل مدة أصيبت بانخفاض في خضاب الدّم. زوجي سجين، ولا أستطيع الذّهاب لعلاج أو تحمّل أعباء العلاج، نحن فقراء، ونطعمها مما نأكل، سواء الأرزّ أو المجدّرة".
وتقول اختصاصية التغذية في مركز العيناء الصحي التابع لمنظمة الأطباء المستقلين، ميناس آغا، إنه من خلال العمل الميداني اليومي في مخيم العيناء لفريق المركز تُجرى اختبارات يوميّة للأطفال لمراقبتهم ومتابعة المصابين منهم بسوء التّغذية، وقالت لـ"العربي الجديد": "خلال الزّيارة الميدانية لمخيّم العيناء، وخلال الزّيارة للطّفلة مريم الحسين، اكتشفنا أنّ الطّفلة مصابة بسوء التّغذية الحادّ، طلبنا من الأمّ مراجعتنا في مركز العيناء، قدّمنا المغذّيات مع المشورة والنصائح للأم، والحمد لله تمّ شفاء الطّفلة".
تتابع آغا: "خلال عملنا موظفي صحة مجتمعية ضمن المركز أو ضمن الجولات الميدانيّة، نواجه حالات سوء تغذية ونكشف عليها من طريق قياس مواك (قياس الوزن والطول). ومن الحالات التي واجهتها الطفلة مريم الحسين في أثناء زيارتها، أجرينا قياس مواك، ووجدنا أنّها تعاني من سوء تغذية حاد، وتابعنا الحالة في المركز. يومياً، لدينا زيارة ميدانية للاطمئنان على الأطفال. ومن لديهم سوء تغذية، نجري لهم إحالات على المركز. تزورنا الطفلة كلّ 15 يوماً، ونقدم إليها المغذيات ونصائح للأم".
أم علي، التي تقيم في مخيم العيناء، تؤكد لـ"العربي الجديد" أن الأطفال محرومون تناول اللحوم والفاكهة. وأكثر الأطفال في المخيّم ضعاف البنية بسبب قلّة الغذاء. وتضيف: "أطفالي يطلبون اللحم أو الدجاج، لكن ليس لدينا ما يمكننا أن نحضره لهم. الوضع في المخيم مأساوي، والكثير من الأطفال يعانون سوء التغذية".
وحذرت "يونيسف" في بيان صدر عنها في 15 مارس/ آذار الماضي من ترك ملايين الأطفال في سورية أمام الخطر المتزايد للإصابة بسوء التغذية. وجاء في البيان: "وفقاً للتقديرات، فإن أكثر من 609,900 طفل دون سنّ الخامسة يعانون من التقزّم في سورية. ينجم التقزم عن نقص التغذية المزمن، ويسبب أضراراً بدنية وعقلية للأطفال لا يمكن التعافي منها. ويؤثر ذلك بقدرتهم على التعلم وإنتاجيتهم في مرحلة البلوغ".
وتابع البيان: "سوء التغذية الحاد بين الأطفال في ارتفاع مستمر. ارتفع عدد الأطفال الذين تراوح أعمارهم ما بين 6 و59 شهراً، والذين يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم بنسبة 48 في المائة من عام 2021 إلى 2022. عندما يعاني الأطفال من سوء التغذية الحاد، يضعف جهاز المناعة لديهم، ويكونون عرضة للوفاة بمعدل 11 مرة أكثر من الأطفال الذين يتمتعون بتغذية جيدة".
وشددت المنظمة في بيانها على أن ارتفاع الأسعار وعدم كفاية الدخل يعني أن ملايين العائلات تكافح لتغطية نفقاتها في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة. ويعيش حوالى 90 في المائة من السكان في سورية في فقر. ويؤثر الأمر سلباً في النظام الغذائي للأطفال. في عام 2023 قبل زلزال السادس من فبراير/ شباط الماضي، كان أكثر من 3.75 ملايين طفل في سورية بحاجة إلى مساعدات غذائية، بينما كان 7 ملايين طفل في عموم البلاد بحاجة لمساعدات إنسانيّة عاجلة.
وذكرت المنظّمة في بيانها أنه قبل الزلزال، حصلت على جزء بسيط فقط من التمويل اللازم للعمل الإنساني من أجل الأطفال في سورية. وجاء في البيان: "تم تأمين جزء بسيط فقط من 328.5 مليون دولار أميركي. مع تفاقم الوضع نتيجة الزلازل، أصبح الوضع أكثر إلحاحاً. نحتاج إلى 172.7 مليون دولار من أجل المساعدات الفورية المنقذة للحياة لـ 5.4 ملايين شخص (بما في ذلك 2.6 مليون طفل) متضرر من الزلزال في سورية".
ووفق البيان، يتطلّب توفير المساعدات المنقذة للحياة في سورية للمتضررين من الزلزال والذين يقدّر عددهم بنحو 5.4 ملايين شخص، بمن فيهم 2.6 مليون طفل، نحو 172.7 مليون دولار.