عائلات مصرية تبحث عن بدائل للحوم والعصائر في رمضان

27 مارس 2023
لا غنى عن الفاكهة المجففة والتمر خلال رمضان (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

لن يكون شهر رمضان كما اعتاد عليه المصريون في السنوات السابقة، فالأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار مع تراجع قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار، جعلت الكثير من العائلات عاجزة عن الاستعداد للشهر كما جرت العادة.
خلال الأشهر القليلة الماضية، حاولت العديد من الأسر المصرية البحث عن بدائل للمنتجات التي ارتفعت أسعارها. فاطمة وأمل، شقيقتان وربتا منزل، اتفقتا على الذهاب إلى حي الأزهر في وسط القاهرة، قبل حلول شهر رمضان بأيام، لشراء بعض المنتجات الرمضانية التي ارتفعت أسعارها في المناطق التي تقطنان فيها. فالسلع في حي الأزهر تُباع بالجملة، وبالتالي سعرها أقل.
ويبدأ سعر كيلوغرام البلح الجاف في أحياء مثل مصر الجديدة والتجمع الخامس، من سبعين جنيهاً (نحو 2.2 دولار أميركي) ويصل إلى الضعف تقريباً. أما في حي الأزهر، فيتراوح سعره ما بين أربعين وخمسين جنيهاً (نحو دولار و20 سنتاً).
الأمر نفسه ينطبق على ياميش رمضان (مكسرات وفاكهة مجففة) وقمر الدين والتوابل، وتعد أسعارها منخفضة في حي الأزهر بنحو نصف سعرها في الأسواق الأخرى، في معظم مناطق القاهرة والجيزة.
ويقدّر سعر لفافة قمر الدين بـ 80 جنيهاً (نحو 2.5 دولار) أو أكثر في الأسواق المحلية في القاهرة، فيما يُباع في حي الأزهر بنحو نصف السعر أو يزيد قليلاً.
وشهدت مصر ارتفاعاً حاداً في الأسعار خلال العام الماضي من جراء التضخم، وكان لذلك تأثير على القدرة الشرائية لدى العديد من العائلات. وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" إن اتفاق القرض الجديد الذي أبرمه صندوق النقد الدولي مع مصر بقيمة 3 مليارات دولار يتبنى النهج الاقتصادي المستمر ذاته الذي يترك الحقوق الاقتصادية للملايين بلا حماية. وأوضحت الباحثة الأولى في الفقر وعدم المساواة في المنظمة، سارة سعدون: "يواجه المصريون أزمة غلاء جعلت الملايين يكافحون للحصول على الغذاء وباقي حقوقهم الاقتصادية. وعلى الرغم من أن توسيع برنامج المساعدات عبر التحويلات النقدية في إطار برنامج صندوق النقد الدولي الجديد خطوة إيجابية، لكنه غير كاف لحماية الناس من التكاليف المتصاعدة التي يفاقمها البرنامج".
قرّرت فاطمة وأمل الاستغناء عن العصائر التي كانتا تحضرانها سابقاً، واختارتا أنواعاً أقل كلفة. فبدلاً من شراء قمر الدين، اختارتا التمر الهندي والكركديه والعرقسوس، بالإضافة إلى البرتقال الطازج لعصره في البيت. الأمر نفسه ينطبق على منتجات الألبان. وبدلاً من شراء حليب الجاموس، عمدت ريم إلى شراء حليب البقر لأن سعره أقل بنحو النصف.
وتباع الألبان الطازجة في الأسواق المحلية المصرية بأسعار تبدأ من ثلاثين جنيهاً للكيلوغرام (نحو دولار أميركي). الأمر نفسه ينطبق على الأجبان المصنعة من الحليب الطازج بنسبة مائة في المائة. ويصل سعر الكيلوغرام منها لنحو مائتي جنيه (نحو 6.5 دولارات).

إقبال على الأسواق لتأمين احتياجات رمضان (محمد الشاهد/ الأناضول)
إقبال على الأسواق لتأمين احتياجات رمضان (محمد الشاهد/ الأناضول)

أما مي، وهي أمّ لثلاثة أطفال، عمدت إلى صناعة الجبن في البيت، وتضيف إليه منكهات مثل الزيتون والزعتر والفلفل الأخضر والأحمر. وتُحاول إقناع أطفالها بتناوله بدلاً من منتجات الأجبان الأخرى التي اعتادوا عليها وارتفعت أسعارها بنحو الضعف.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن البنك المركزي المصري عن الانتقال إلى سعر صرف مرن، وهو الركيزة الأساسية في برنامج صندوق النقد الدولي، ما تسبب في انخفاض إضافي في قيمة الجنيه بنسبة 23 في المائة، ليصل إجمالي الانخفاض منذ فبراير/شباط 2022 إلى حوالي 50 في المائة. فاقم ذلك زيادة كلفة استيراد المواد الغذائية، ما عرّض الأمن الغذائي للخطر. وبحلول أكتوبر/تشرين الأول، كانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت 37 في المائة عن العام الماضي، وما زالت ترتفع.
وإلى اللحوم، فيبدأ سعر اللحم البلدي من 230 جنيهاً للكيلوغرام الواحد (نحو 7.5 دولارات) ويصل إلى أكثر من 350 جنيهاً (نحو 11 دولارا) في المتاجر الكبرى في القاهرة والجيزة. ولجأت أميرة، وهي أم لثلاثة أطفال، إلى شراء اللحم المستورد السوداني والبرازيلي بدلاً من اللحم البلدي، في ظل عدم قدرتها على تحمّل ارتفاع الأسعار. وتقول: "لم أعد أشتري اللحم البلدي من الأسواق. وبدلاً منه، اتجهت إلى شراء اللحوم المجمدة المستوردة، لأن أسعارها ما زالت تناسب قدرات زوجي المالية".

أميرة وزوجها موظفان في هيئة النقل العام المصرية، ولا يتجاوز راتباهما الخمسة آلاف جنيه شهرياً (نحو 160 دولارا). بالإضافة إلى اللحم المستورد، عدّلت أميرة بعض أنواع الأطعمة التي كانت تعدّها لأبنائها، وصارت تركز على الأكلات التي يمكن إعدادها باللحم المفروم لانخفاض سعره.
وعام 2020، أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن واحدا من كل ثلاثة مصريين، أي حوالي 30 مليون شخص، هم تحت خط الفقر الوطني.
يُشار إلى أنه وفقاً لتقرير خبراء صندوق النقد الدولي لبرنامج القروض عام 2016، كان من المتوقع أن تخفف مصر من تأثير الإصلاحات على الفقراء عبر "استخدام جزء من وفورات المالية العامة لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي"، لكنّ مراجعةً للإنفاق العام أجراها البنك الدولي في سبتمبر/أيلول 2022 وجدت أن الوفورات الكبيرة في الميزانية "لم تُترجم إلى زيادات حقيقية في الإنفاق على برامج المساعدة الاجتماعية الرئيسية، والتي ظلت مستقرة عند حوالي 2.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، في السنة المالية 2020". كما وجدت المراجعة أن "الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي منخفض، مقارنةً بالمعايير الدولية، وآخذ في التقلص بالقيمة الحقيقية".
وأنشأت الحكومة، بمساعدة البنك الدولي، برنامجَي "تكافل" و"كرامة" الجديدين للتحويلات النقدية، واللذين يوفران الدعم للعائلات التي لديها أطفال، ومسنون، وأشخاص ذوو إعاقة، لكنهما يُدرجان نسبة صغيرة فقط من الفقراء.

المساهمون