على الرغم من تحرّك السلطات العراقية في بغداد لمعالجة أوضاع الآلاف من المواطنين العراقيين المقيمين في أوكرانيا خلال الأسبوعين الماضيين، بعد بدء عملية الاجتياح الروسي، وسط تقارير عن فقدان الاتصال بعدد منهم أو وجود مشاكل حالت دون عبور آخرين إلى بولندا تتعلق بالأوراق الثبوتية الخاصة بهم، إلا أن الكثير منهم يسجلون شكاوى متزايدة عادة ما تكون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال أقاربهم داخل العراق.
ويُقدَّر عدد أفراد الجالية العراقية في أوكرانيا بأكثر من 5600 شخص، من بينهم مئات الطلاب في الجامعات الأوكرانية، إذ شهدت السنوات الأخيرة إقبالاً عراقياً على الدراسة في هذه البلاد أغلبها بتخصصات الطبّ والهندسة، إلى جانب آخرين يقيمون بشكل رسمي ومتزوجين من مواطنات أوكرانيات ولهم أسر وأعمال تجارية هناك.
وأول من أمس الأربعاء، أعلنت وزارة الخارجية العراقية أنّها مستمرة في جهودها لإجلاء العراقيين المقيمين في أوكرانيا والراغبين في مغادرتها، على خلفية الحرب الروسية التي اندلعت قبل نحو أسبوعين، متحدثة عن نقل العشرات منهم إلى الخارج ومنح آخرين جوازات سفر للعبور ممن لا يمتلكونها.
وضع العراقيين حالياً في أوكرانيا صعب جداً على مختلف الأصعدة وخاصة في كييف"
وفي هذا السياق يقول عميد الجالية العراقية في أوكرانيا، عدنان الكاظمي، الذي يوجد حالياً في العاصمة الأوكرانية كييف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وضع العراقيين حالياً في أوكرانيا صعب جداً على مختلف الأصعدة وخاصة في كييف".
ويضيف أنّ "قسماً منهم نجح فعلاً في مغادرة أوكرانيا أو الاتجاه إلى مدن بعيدة عن كييف، لكن هناك عوائل عراقية ما زالت في العاصمة ولا تستطيع المغادرة لأسباب عديدة، منها بعض كبار السن أو أنهم لا يمتلكون فرصة بسبب المعارك، وحالياً يحاولون البقاء بعيداً عن المعارك قدر الإمكان، واللجوء إلى المناطق الغربية من أوكرانيا، كونها هادئة نسبياً".
ويتابع: "المشكلة أنه لا توجد مدينة محددة تجمع كل العوائل العراقية، فهي موزعة في المناطق والمدن الأوكرانية المختلفة بشكل كبير، وهناك معاناة في الحصول على بعض المواد الغذائية، رغم أن المخازن جميعها تعمل من أجل تلبية متطلبات الحياة اليومية، لكن هناك مواد غذائية من الصعب جداً الحصول عليها، ومنها الخبز، كما أنّ هناك عدداً من أفراد الجالية يعانون لتأمين بعض الأموال بسبب إغلاق المصارف أو إيقاف عمل بعض الصرافات الآلية"، مشيراً إلى أنّ السفارة العراقية في كييف "وفّرت خطوطاً ساخنة داخل أوكرانيا تقدم المساعدات المالية لمن يحتاج من الجالية قدر الإمكان خلال هذه الأيام".
وكشف عن عبور أكثر من 500 عائلة عراقية الحدود إلى بولندا، "بينما العائلات الأخرى تتنقل بين المدن الأوكرانية، للابتعاد عن المعارك أو أنها محاصرة مثل الآخرين في مناطق محددة لا يمكنها الخروج منها". وأكد وجود "تعامل عنصري مع الجالية العراقية التي توجهت إلى الحدود البولندية، على عكس المواطنين الأوكرانيين، وهذا الأمر حصل مع العراقيين أيضاً في دول أخرى من أوروبا خلال الأزمة".
ويبين أنّ "العراقيين الذين في أوكرانيا منقسمون إلى فئات؛ منهم الطلبة، وهؤلاء غادر أغلبهم قبل اندلاع الحرب، وهناك المقيمون، وهم الذين يشكّلون الأغلبية من الجالية العراقية، وهناك قسم قليل من الذين قدّموا طلبات اللجوء ولم تصدر لهم إقامات وجنسية دائمة بسبب بعض الإجراءات المتخذة في أوكرانيا".
وبخصوص وجود مفقودين عراقيين جراء الحرب، أوضح الكاظمي أنه "لغاية الآن لم نبلغ بشكل رسمي عن وجود أي مفقود عراقي، لكن هناك حالة سجّلت بقصف سيارة تابعة لمواطن عراقي، لكنه لم يكن موجوداً داخلها والمعلومات المتوفرة تقول إنه انتقل إلى خارج أوكرانيا".
لكن أحمد طه، أحد العراقيين المقيمين في كييف حالياً، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ العراقيين الذين لم يغادروا أوكرانيا "يعانون على المستوى المعيشي والإنساني، وهناك صعوبة في الوصول إلى السفارة العراقية في العاصمة الأوكرانية كييف، خشية التحرك بمسافات بعيدة بسبب شدة المعارك".
ويبيّن طه أنّ "هناك عدداً كبيراً من العوائل العراقية عالقة حالياً في أوكرانيا، تريد المغادرة منها إلى دول أخرى، لكنها عاجزة عن ذلك، بسبب رفض تلك الدول استقبال العراقيين، وكذلك صعوبة الوصول إلى الحدود، بسبب القصف واقتتال الشوارع".
ودعا المواطن العراقي المقيم في أوكرانيا "الخارجية العراقية إلى العمل بشكل أكبر من أجل تأمين خروج العوائل العراقية من أوكرانيا، نظراً لخطورة الوضع على حياتهم بسبب الحرب، وكذلك بسبب المعاناة التي يعانون منها بسبب صعوبة الحصول على المواد الغذائية، إضافة إلى عدم وجود سيولة نقدية لدى هذه العوائل، كون المصارف مغلقة بسبب الحرب، وخشية اقتحامها من قبل المواطنين".
إلى ذلك قال عضو مجلس النواب العراقي هادي السلامي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد": "هناك تقصير واضح من قبل وزارة الخارجية العراقية تجاه ملف العراقيين الذين يوجدون بأوكرانيا، فهناك عوائل عالقة وفق تقارير ومناشدات تصل إلينا".
وبيّن السلامي أنّ "البرلمان العراقي سيعمل على استضافة المسؤولين في وزارة الخارجية العراقية، لمناقشة هذا الملف المهم معهم، والعمل على تقديم كافة المساعدة والإمكانات إلى وزارة الخارجية، من أجل تأمين خروج العوائل العراقية من أوكرانيا أو توفير مساعدات للعوائل المحتاجة العالقة هناك".
وأضاف النائب العراقي أنّ "وزارة الخارجية مطالبة بتكثيف جهودها مع الاتحاد الأوروبي من أجل استقبال الجالية العراقية، التي تريد الخروج من أوكرانيا بسبب الحرب، خصوصاً أنّ هناك رفضاً لاستقبال هذه الجالية من قبل الدول وتحديداً بولندا".
وشهد العراق في الأيام الأخيرة مطالبات للسلطات باتخاذ إجراءات جديّة لإنقاذ العراقيين المقيمين في أوكرانيا والراغبين في العودة إلى بلادهم، وسط حديث عن أنّ معظمهم يعيشون أوضاعاً معيشية صعبة في ظلّ القصف والحصار وارتفاع الأسعار.
تجدر الإشارة إلى أنّ وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، كان قد بحث في وقت سابق أوضاع العراقيين في أوكرانيا مع عميد الجالية العراقية فيها عدنان الكاظمي، وذلك في اتصال هاتفي بحسب ما أفاد أحمد الصحاف المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية الذي أوضح أنّهما تشاورا في "كيفية وسبل تحقيق الاستجابة الممكنة لهم في خلال الظرف الراهن". وأضاف الصحاف أنّ "حسين استمع إلى تفاصيل عرضها الكاظمي"، وقد تناولا "الاستجابة العاجلة لمتطلبات الجالية من قبل وزارة الخارجية والإجراءات التي اتّخذتها قبل الأزمة الأوكرانية الروسية وتقديم الدعم للجالية".