تتكرّر حوادث الغرق في العديد من المناطق السورية في ظل غياب إجراءات السلامة. وكثيراً ما يتوجه الأطفال إلى أماكن خطرة للسباحة حيث يصعب إنقاذهم، وذلك في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل الجيش الوطني في الشمال السوري، أو تلك الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة في إدلب، بالإضافة إلى مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) شمال شرقي البلاد، ومناطق سيطرة النظام السوري.
ويتحدث المتطوع في فرق الإنقاذ المائي في الدفاع المدني السوري أسامة عربو لـ "العربي الجديد" عن أسباب حوادث الغرق، موضحاً أنها تختلف من حالة إلى أخرى ومن مسطح مائي إلى آخر. ويقول: "يمكن الحديث عن أسباب عامة ورئيسية أهمها السباحة من دون اتخاذ إجراءات السلامة الضرورية والجهل بطبيعة تلك المسطحات خصوصاً أنّ غالبية حالات الغرق المسجلة هي لمهجرين يجهلون طبيعة هذه المسطحات المائية الخطرة، ليترك الأطفال يسبحون بمفردهم". ويشير إلى أن المسطحات المائية الرئيسية في شمال غرب سورية هي بحيرة ميدانكي ونهر الفرات وسواقي المياه في عفرين ونهر دير بلوط ونهر العاصي وعين الزرقاء، وتعد خطرة ولا يجب السباحة فيها.
ويقول إنه ما من شواطئ للسباحة على معظم ضفاف بحيرة ميدانكي كونها منطقة جبلية ذات منحدرات خطيرة، كما أنها طينية وتمنع الرؤية في المياه. كما أن مياهها شديدة البرودة وقد تسبب تشنجات عضلية أو توقفا مفاجئا لعضلة القلب بسبب الفرق الكبير بين حرارة الجسم وحرارة المياه.
أما نهرا الفرات والعاصي، فهما خطران جداً بسبب برودة المياه والتيارات المائية وتفاوت أعماقها المفاجئ بالإضافة إلى وجود أعشاب في قيعانها. كما تعد سواقي المياه في منطقة عفرين خطرة جداً وغير صالحة للسباحة، إذ تنمو على حواف هذه السواقي أعشاب لزجة، وهناك تيارات مائية تشكل خطورة كبيرة.
ويقول عربو: "نعمل ضمن خطة شاملة للاستجابة لعمليات الإنقاذ المائي من خلال نشر نقاط رصد وإنقاذ دائمة في كل من بحيرة ميدانكي في عفرين شمالي حلب وعين الزرقاء بريف إدلب الغربي خلال موسم الصيف، بهدف حماية المدنيين من الغرق وسرعة الاستجابة لأي نداء استغاثة. وتتألف النقاط في كلتا المنطقتين من غطاسَين اثنين في كل نقطة وطقمي غوص كاملين وقارب للتنقل في المياه والبحث عن الغرقى، ومنظار وقبضات تواصل لاسلكية. ويعمل الطاقم بالتناوب لتأمين تغطية مستمرة. هذه النقاط لا تعني أن بحيرة ميدانكي أو عين الزرقاء آمنة، بل هي مجرد إجراء للتعامل مع الواقع فقط وتسريع الاستجابة لحالات الغرق والعمل على التوعية. لكن لا بد من تضافر المجتمع والفعاليات المحلية والعائلات للتوعية حول خطورة السباحة في هذه الأنهار. صحيح أننا نتفهم ظروف الشمال السوري وعدم وجود متنفس للأهالي باستثناء تلك البحيرات والأنهار، لكن لا يمكن أن تكون الأرواح هي الثمن".
يتابع عربو: "سجلت فرقنا في 15 يوليو/ تموز الجاري عدد وفيات غرقاً هو الأعلى منذ بداية العام الحالي، وقد انتشلت جثامين 5 مدنيين بينهم 3 أطفال اثنان منهم شقيقان. وكان هذا اليوم مأساوياً في الشمال السوري وعائلات الضحايا، في وقت تمكنت فرق الإنقاذ المائي المنتشرة في بحيرة ميدانكي وعين الزرقاء من إنقاذ 10 مدنيين، بينهم 9 أطفال من عين الزرقاء غربي إدلب، وواحد في بحيرة ميدانكي. وبلغت حصيلة الوفيات غرقاً منذ بداية العام الحالي في شمال غرب سورية 27 حالة وفاة غرقاً، فيما أنقذت فرقنا أكثر من 60 مدنياً كادوا أن يغرقوا وأسعفوا إلى المستشفيات".
وسجلت محافظتا الرقة ودير الزور 6 حوادث غرق في 20 و21 الشهر الجاري في المناطق الخاضعة لسيطرة كل من قوات سورية الديمقراطية والنظام السوري. ويؤكد الإعلامي مصطفى العلي لـ "العربي الجديد" أنّ حوادث الغرق تتكرر في كل عام وخصوصاً خلال فصل الصيف، على اعتبار أن أهالي وادي الفرات من مناطق حلب والرقة ودير الزور معتادون على السباحة في النهر في ظل عدم توفر الكهرباء.
ويشير العلي إلى أن معظم الغرقى في نهر الفرات هم من الأطفال والشبّان، مؤكداً عدم وجود أماكن مخصصة للسباحة من قبل الجهات المسيطرة مثل "قسد" أو النظام السوري، وغياب فرق إنقاذ، موضحاً أن عمليات الإنقاذ تبدأ بعد الغرق أو الوفاة من قبل الدفاع المدني في مناطق سيطرة النظام أو من قبل فريق الاستجابة في مناطق "قسد".
وفي الثاني من الشهر الجاري، غرق ثلاثة أطفال في بئر للمياه في قرية سردين بريف إدلب الشمالي، في وقت أنقذ طفل رابع كان معهم، وتم انتشالهم من قبل فرق الدفاع المدني السوري. ويقول المتطوع في الدفاع المدني السوري حسن الحسان لـ "العربي الجديد" إن الأطفال يعملون في رعي الأغنام، مضيفاً: "يبدو أنهم اقتربوا من البئر المغطاة بصبّة بيتونية، لكنها انهارت وسقطوا فيها وتوفوا غرقاً، كما انهارت الأحجار عليهم. أسعفت فرقنا الطفل الناجي منهم وانتشلت جثث الثلاثة الآخرين لتسليمها لذويهم".
ويلفت إلى أن حالات السقوط في الآبار تتكرر دائماً، مضيفاً: "فرقنا تعمل على تأمين الآبار المكشوفة وتغطيتها. ويتجاوز عدد الآبار التي تم تأمينها في شمال غرب سورية منذ بداية العام الحالي 40 بئراً".
وتتركز معظم حوادث الغرق في بحيرة ميدانكي في ريف منطقة عفرين غربي محافظة حلب، بالإضافة لنهر الفرات الذي يمر بمحافظات حلب والرقة ودير الزور، وتزداد هذه الحوادث مع ارتفاع درجات الحرارة وتوجه الأطفال للسباحة في المسطحات المائية من دون رقابة.