بعد أشهر من التجارب للتوصل إلى علاجات لمرض ألزهايمر الذي يصيب أكثر من 50 مليون شخص حول العالم، كشفت بيانات طبية أن عقار دونانيماب (Donanemab) التجريبي الخاص بمرض ألزهايمر من إنتاج شركة Eli Lilly، أثبت فاعلية في علاج المرض وإبطاء التدهور المعرفي بنحو الثلث، ما يجعله في طريقه ليكون العلاج الثاني المرخص بعد ليكانيماب (Lecanemab)، وهو دواء جديد وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الأميركية لعلاج المراحل الأولى من مرض ألزهايمر.
البيانات الأولية للتجارب على ليكانيماب نُشرت في سبتمبر/ أيلول الماضي، وأظهرت أن الدواء أبطأ التدهور المعرفي لدى مرضى ألزهايمر بنسبة 27 في المائة خلال فترة 18 شهراً. ويستهدف الدواء رواسب بروتين أميلويد التي تتشكل حول الخلايا العصبية لمرضى ألزهايمر، وتدمرها على المدى الطويل، ما يتسبب في فقدان الذاكرة.
وأظهرت البيانات التي نشرتها دورية الجمعية الطبية الأميركية JAMA أن العقار الذي يتم تناوله مرة واحدة في الشهر عن طريق الوريد أبطأ التدهور المعرفي والوظيفي بحوالي 35 في المائة مقارنة بالدواء الوهمي، من خلال تجربة إكلينيكية دامت 18 شهراً، كما أشارت إلى أن العقار أبطأ التراجع المعرفي لدى الأشخاص المصابين بضعف إدراكي خفيف بنسبة تصل إلى 60 في المائة. وكان الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 75 عاماً أكثر استفادة من الدواء.
وضمت التجربة السريرية المتأخرة حوالي 1700 شخص يعانون من ضعف إدراكي خفيف أو خرف مبكر، والذين تراكم بروتين الأميلويد في أدمغتهم.
ويعمل دونانيماب بطريقة ليكانيماب نفسها. كلاهما يتكون من أجسام مضادة مثل تلك التي ينتجها الجسم لمهاجمة الفيروسات. لكن هذه المواد مصممة لإزالة مادة لزجة من الدماغ تسمى أميلويد تتراكم في الفراغات بين خلايا الدماغ.
يقول أخصائي الأمراض العصبية محمد النجار، لـ"العربي الجديد"، إن هذه النتائج تشير إلى إمكانية تعافي المرضى مستقبلاً، وهو ما يشكل ثورة علمية، وخصوصاً أن الملايين حول العالم يعانون من ألزهايمر، ويقول لـ"العربي الجديد": "تعتبر العلاجات بالأجسام المضادة ثورة في عالم الطب، وبدأت العديد من الشركات العالمية تخطو باتجاه هذا النوع من العلاجات. أما بالنسبة للعقار الجديد، فيعمل على إزالة البروتين المسبب للمرض، والمعروف باسم الأميلويد، والذي عادة ما يتراكم في أدمغة المرضى".
ويوضح النجار أن بيانات الشركة المصنعة أكدت أن الدواء قلل معدل ترسبات الأميلويد لدى المرضى بنسب تتخطى 80 في المائة، ما يشير إلى مدى فاعلية هذا الدواء. إلا أنه لا يشفي من المرض بل يخفف من تأثيراته وتطوره. أما بالنسبة إلى تأثيراته السلبية، فلا يمكن الحديث عنها بشكل مباشر، وخصوصاً أن الدواء لا يزال في مراحل تجريبية، ولا بد من الانتظار إلى حين الانتهاء من جميع التجارب وإقراره بصورة رسمية لتقييم تأثيراته السلبية.
ويصف البروفيسور غايلز هاردنغهام من معهد أبحاث الخرف في المملكة المتحدة النتائج بـ"الرائعة"، ويرى أنه لأمر مشجع أن تتم ملاحظة هذا التقدم في صناعة الأدوية. كما اعتبرت الدكتورة سوزان كولهاس من مركز أبحاث ألزهايمر في المملكة المتحدة، أن هذا الدواء يمثل علامة فارقة أخرى بفضل عقود من البحث، كما أن المجتمع الطبي يدخل حقبة جديدة من العلاجات.
وتفيد صحيفة ذا غارديان البريطانية بأن الدواء أظهر فاعليته في وقت قياسي، وقد بينت النتائج أنه يمكن إزالة حوالي 90 في المائة من الأميلويد من الدماغ، ما يعني إبطاء معدل التدهور المعرفي. وفيما تبلغ كلفة ليكانيماب حوالي 27500 دولار، لا تزال غير واضحة حتى الآن التكاليف الخاصة بالعقار الجديد، والوقت الذي قد يستغرقه الحصول على الموافقة من اللجان الطبية المتخصصة حول العالم.
ويرى الخبراء في مجال الصحة أن هذا الدواء، وبالإضافة إلى كونه يساهم في تحسين صحة المرضى العقلية، فهو يأتي أيضاً بعد عقود من التجارب الفاشلة واستثمار مليارات الدولارات في الأبحاث. ويتم إعطاء دونانيماب عن طريق الحقن في الوريد مرة كل أربعة أسابيع. ويحتاج المرضى إلى إجراء فحوصات دورية للدماغ لمراقبة الآثار الجانبية المحتملة، بما في ذلك تورم الدماغ والنزيف.
وأظهرت النتائج بعض الآثار الجانبية من خلال استخدام دواء دونانيماب، وكانت إلى حد كبير مشابهة لتلك التي تظهر مع ليكانيماب. وعانى ما يقرب من ربع المرضى الذين عولجوا من مستوى معين من تورم الدماغ أو النزيف، مقارنة بـ2 في المائة فقط في المجموعة التي استخدمت دواء وهمياً. كما أظهرت النتائج أيضاً وفاة أربعة أشخاص أثناء مشاركتهم في التجربة، من ضمنهم ثلاثة من ضمن مجموعة دونانيماب.