على شاطئ بحر مخيم دير البلح وسط قطاع غزة، تغتسل النساء والأطفال وحتى الرجال، ويغسلون الملابس والأواني والأدوات المنزلية، على الرغم من الملوحة وبرودة المياه أحياناً. فمنازل الغزيين خلت من المياه بعدما أغلق الاحتلال الإسرائيلي مصادر المياه وقطع الكهرباء بالكامل عن القطاع، في ظل العدوان المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
بعد نفاد المياه من خزانات المنازل ومحطات توزيع المياه، باتت سميرة أبو رجلة (42 عاماً) تعتمد على مياه البحر لغسل الأواني وملابس الأطفال. حتى أن صغارها باتوا يستحمون في مياه البحر، في ظل نقص المياه في الخزانات والصنابير داخل منزلها المكتظ بالنازحين. تعبئ أبو رجلة زجاجتين من المياه المتوافرة حتى يغسل أبناؤها وزوجها أجسادهم بعد الاستحمام بمياه البحر كي لا تعلق آثار ملح البحر على أجسادهم. وتشير إلى أن أبناءها بقوا أياماً من دون استحمام بسبب نقص المياه وصعوبة الحصول عليها. وما هو متوفر تستخدمه للشرب وغسل الوجه واليدين والطهي في المنزل الذي يضم ما لا يقل عن 50 فرداً، علماً أن مساحته لا تتجاوز 120 متراً مربعاً.
تقول أبو رجلة لـ "العربي الجديد": "ندرك أن المياه التي نحصل عليها ملوثة. لكن ما من بدائل ولا نريد الموت عطشاً. وهناك خيار مياه البحر الذي تتجدد مياهه وإن كانت ملوثة. بات منقذنا الوحيد وكل ما نملكه. كنت أتمنى لو أن مياه البحر عذبة حتى نشربها. لكنه يبقى الخيار الأمثل بالنسبة لنا حتى نغتسل". تضيف: "كنت من أوائل الذين ذهبوا إلى البحر للاغتسال وتنظيف الملابس والأغراض. بعض النساء من جيراني اعتبروني متهورة، إذ إن الاحتلال يمكن أن يقصف الشاطئ. لكنني لم أبالِ. وكثيرات اليوم يرافقنني. البقاء في المنزل صعب، إذ يمكن أن ينام في الغرفة الواحدة ما يصل إلى 20 فرداً في وقت واحد. لكننا هنا أمام البحر نتنفس هواء طبيعيا".
على الرغم من المخاطر المحتملة وتواجد البوارج الإسرائيلية في البحر منذ بداية العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر، يزيد الإقبال على المنطقة وخصوصاً المطلة على دير البلح، كما يقول عامر الأقرع (36 عاماً)، وهو من سكان مخيم دير البلح. يشير إلى أن الأطفال يلعبون على الشاطئ رغم استمرار العدوان، موضحاً أن البحر حاجة ملحة للغزيين في الوقت الحالي في ظل عدم توفر المياه. ويزيد إقبال الناس يوماً بعد يوم على الرغم من المخاوف الموجودة. تتوجه إليه النساء القاطنات في بيوت مختلفة في دير البلح أو مراكز الإيواء لغسل الملابس والأواني وغير ذلك. وبعضهن ينشرن الملابس ثم يعدن لأخذها في وقت لاحق بعدما تجف.
نزل الأقرع إلى الشاطئ وشارك العائلات غسل بعض الأواني والأدوات المنزلية والملابس. رافقه أطفاله الذين اعتقدوا بوجود هدنة إنسانية. تمكنوا من الاستمتاع بوقتهم لبعض الوقت وقد أخبروه أنهم لم يفرحوا منذ وقت طويل، إلا أنهم سيعودون إلى المنزل، ليسمعوا أصوات القصف الإسرائيلي. يقول لـ "العربي الجديد": "نتمنى لو كان لدينا نهر في قطاع غزة فمياه النهر عذبة. لكن لا بديل عن البحر. لدينا وادٍ في غزة لكن الاحتلال الإسرائيلي حوّل مسار المياه منذ عشرات السنين للاستفادة منها في الأراضي المحتلة".
وتبلغ القدرة على إنتاج المياه 5 في المائة من الحاجة الإجمالية بحسب سلطة المياه الفلسطينية، ويعيش سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون نسمة الآن على أقل من 3 لترات من الماء للشخص الواحد يومياً.
وتوجد في القطاع ثلاثة مصادر رئيسية للمياه، أهمها محطات تحلية المياه وغالبيتها لا تعمل بسبب نقص الوقود، وخطوط الأنابيب التي تنقل المياه المشتراة من الاحتلال الإسرائيلي وقد أغلقت بالكامل بعد قرار تعطيش وتجويع غزة، بالإضافة إلى آبار المياه الجوفية، علماً أن 97 في المائة منها غير صالحة للشرب بحسب سلطة المياه، كونها مالحة وملوثة بمياه الصرف الصحي غير المعالجة.
وعلى الرغم عن ملوحة مياه البحر وتلوثها، إلا أن الإقبال يزيد يومياً على مناطق في دير البلح ومنطقة المواصي غرب مدينة خانيونس وكذلك بعض مناطق الوسطى مثل الزوايدة والقليلين في المنطقة المطلة على النصيرات.
على شاطئ البحر المطل على بلدة الزوايدة، يخرج البعض بحذر، ويراقبون السماء التي تنتشر فيها طائرات الاستطلاع، وكذلك البوارج الحربية. في المقابل، لا يكترث آخرون لكل ذلك. مسلم زيدان (30 عاماً) وأبناء عمه الثلاثة استخدموا مياه البحر بسبب نقص المياه وعدم قدرتهم على الاغتسال. ثم تشجع الكثير من أفراد عائلته وبعض النازحين من مدرسة بالقرب من البحر للتوجه إلى الشاطئ. يقول زيدان لـ "العربي الجديد": "الموت يأتينا في كل مكان. لذلك، نخرج لنسبح ونفرح مع أطفالنا. ألا يحق لنا أن نموّه عن أنفسنا وعن أطفالنا ونفرحهم قليلاً؟ أرواحنا تحب الحياة ولو كان الموت قادماً إلينا. نمت أياماً عدة وأنا أشعر بالعطش، حالي حال كثيرين من الكبار والصغار".