في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، أطلق إحسان عليوة (34 عاماً) مشروعه الخاص لتركيب العطور والترويج لها وبيعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى توزيعها على بعض المحال التجارية. كان قد تخرج من كلية العلوم قسم الفيزياء بجامعة الأزهر عام 2011، من دون أن يجد عملاً. اختبر البطالة لسنوات طويلة بعد تخرجه على الرغم من نجاحه في امتحان التوظيف الحكومي للمدرسين الجدد. خلال هذه الفترة، كان يعطي دروساً خصوصية للتلاميذ داخل مركز تعليمي شمال قطاع غزة، إلى أن بدأ العمل على مشروعه بسبب حبه لعالم العطور وتركيبها.
وخلال العقدين الماضيين، راجت مهنة تركيب العطور في قطاع غزة، وكثرت محال بيع هذه العطور في ظل إقبال الناس على شرائها، الأمر الذي ساهم في خلق فرص عمل للعديد من الشباب.
يوزع عليوة بعض منتجاته على المحال التجارية في شمال قطاع غزة ووسط مدينة غزة. وشكّل إعجاب الزبائن بعطوره حافزاً له للمتابعة وتطوير عمله. ويقول لـ "العربي الجديد": "تتغير نظرة الناس إلى الخريجين الجامعيين بعد سنوات من البطالة، ويقولون إنه لا قيمة للشهادات التي حصلوا عليها. هذه النظرة السلبية قادت الكثير من شباب غزة إلى الموت، من خلال سعيهم إلى الهجرة غير الشرعية، على أمل الوصول إلى أوروبا وإيجاد فرص عمل". يضيف: "أحب العطور منذ صغري. على الرغم من الظروف الصعبة التي مررت بها، إلا أن رائحتها كانت تريحني. جاء المشروع بالصدفة بعدما بدأت بتركيب العطور لأصدقائي. أعددت دراسة سوق وأطلقت صفحة على موقع انستغرام، ولقيت دعماً من الأصدقاء، وأسعى إلى افتتاح محل وسط مخيم جباليا قريباً".
واستفاد العديد من الشباب الذين خاضوا هذا المجال من صناع المحتوى الذين يقدمون نصائح عن العطور وكيفية تركيبها والمواد الطبيعية التي يمكن استخدامها، والتي تطيل رائحة العطور على الملابس لفترة أطول، يقول أحمد عيادة (29 عاماً) وهو صاحب محل لتركيب العطور. افتتح محله قبل عامين داخل سوق البلد في شارع عمر المختار الذي تنتشر فيه محال العطور، علماً أنه حاصل على شهادة الدبلوم في التمريض. ويلفت إلى أن معظم العاملين في مهنة تركيب العطور خريجون جامعيون، إلا أنهم لم يجدوا فرص عمل. ويشتد التنافس بينهم ويحاول الجميع تقديم عروض متواصلة خلال مواسم الأعياد وغيرها.
ويعمد بعض العاملين في مجال تركيب العطور إلى تقليل نسبة كثافة المركب الأصلي للعطور وبيعها. لكن في الوقت الحالي، يواجه هذا القطاع تحديات عدة بسبب عدم دخول العطور الأصلية إلى قطاع غزة إلا بصعوبة وبوسائل تجعل كلفتها كبيرة. الأمر نفسه ينسحب على إدخال بعض المواد الخام لتركيب العطور والمثبتات والزيوت.
ويقول عيادة لـ "العربي الجديد": "حاولت العمل في تجارة الملابس وأدوات التجميل من خلال إنشاء متجر إلكتروني، لكنني تعرضت لخسارة لأن إدخال البضائع صعب وظروف قطاع غزة السياسية تفرض العديد من التحديات على أي مشروع". يضيف أن "مشروع العطور كان جيداً وناجحاً على الرغم من صعوبة إدخال بعض المواد. وإذا ما طال انتظار وصول بعض المواد، نلجأ إلى بدائل". يضيف أن الغزيين يحبون شراء العطور.
بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمحال التجارية، يعمد البعض إلى بيع العطور على البسطات، وانتشرت البسطات على بوابات المساجد، وكانت تقتصر على أنواع معينة من تركيبات أقرب إلى المسك والعنبر وبعض التركيبات الزيتية.
تعلم عُبادة الشيخ (29 عاماً) مهنة تركيب العطور من والده الذي كان يصنع العطور الزيتية وتلك التي تقدم هدايا في المساجد ويقبل عليها المصلون. وبعد تقاعد والده نتيجة إصابته بالأمراض، بات مسؤولاً عن العمل، وصار يُركب العديد من الروائح، وخصوصاً تلك التي ترغبها النساء، ويبيعها على بسطته متنقلاً ما بين سوق الرمال وسوق الجمعة.
يضيف الشيخ لـ "العربي الجديد": "لم أتمكن من إتمام دراستي الجامعية بتخصص القانون بسبب وضعنا المادي ومرض والدي، واضطررت إلى العمل في مهنة العطور. الأسعار التي أقدمها للزبائن أقل من المحال"، مشيراً إلى أن هذه المهنة هي مصدر دخل عشرة أفراد يعيشون في منزل بسيط بحي الشجاعية، "على الرغم من أنني ما زالت أحلم بإنهاء دراستي الجامعية بالإضافة إلى فتح محل لبيع العطور".