في شارع الروضة في منطقة بني سهيلا في مدينة خانيونس جنوبيّ قطاع غزة، ورشة صغيرة لا تتجاوز مساحتها تسعة أمتار مربعة، تضم الكثر من القطع الكهربائية المستعملة والآلات والمعادن. ورغم قلة الإمكانات، استطاع صاحبها عبد القادر أبو ريدة (29 عاماً) صنع عربات صغيرة من خلال إعادة تدوير المعادن والاستعانة بمحركات صغيرة مستعملة.
لم يُتابع أبو ريدة دراسته الجامعية بعدما أنهى المرحلة الثانوية بسبب ظروف أسرته الاقتصادية الصعبة. في ورشته الصغيرة التي يملكها، يصنع آلات لحام حديدية صغيرة، ويصلح آلات الحدادة الكهربائية. واليوم، عمله يشعره بأنه يُساهم في إسعاد بعض الناس. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أحبّ التعلّم في المدارس والجامعات. بل أنا من الأشخاص الذين يحبون التعلّم الذاتي والتجارب. أستفيد من يوتيوب لتعلّم كيفية صناعة آلات من خلال الاستعانة بمواد لم تعد صالحة للاستعمال. وهذا يلفتني مذ كنت صغيراً. ومع الوقت، صرت قادراً على صناعة العديد من الأدوات الكهربائية".
بعدما تخرج من المدرسة، بدأ العمل في تجارة الخردوات، مثل الألومنيوم والنحاس والآلات القديمة والمعطلة. وكانت أولى محاولاته صناعة آلة لحام صغيرة، إذ إن أسعار تلك الكبيرة مرتفعة. كان يجمع الأدوات من سوق الخردة جنوبيّ قطاع غزة، ويعتمد على قطع غيار الميكرويف وبعض الأسلاك وصناديق حديدية.
ثم انتقل إلى صناعة الدراجات الهوائية، مستعيناً بمحركات صغيرة تعمل من خلال الكهرباء أو الوقود، لتصبح أقرب إلى الدراجة النارية، لكن بأسعار مناسبة. وبعدما صار يشاهد فيديوهات على يوتيوب، تعلّم صناعة أجهزة أخرى، لكن الحال في القطاع نتيجة الحصار الإسرائيلي لم يكن سهلاً، في ظل عدم توافر بعض الأدوات، حتى في سوق الخردة.
لدى أبو ريدة أربعة اطفال، هم فرح (11 عاماً)، وعبد الرحمن (9 أعوام)، والمعتصم بالله (6 أعوام)، وتاليا (5 أشهر). في أحيان كثيرة، يُراقب أطفاله عمله، ويفرح كثيراً حين يسألونه عن كيفية صناعة بعض الآلات. صنع لمنزله مراوح هوائية تعلَّق على السقف وآلة كهربائية لصناعة الخبز. لكن في بعض الأحيان، كان يعجز عن صناعة آلات بسبب قلة المال وعدم توافر الأدوات.
يضيف: "عندما أقرر صناعة أي آلة، يجب توفير الأدوات قبل أي شيء. فكثيراً ما أردت صناعة آلات، إلا أنني لم أتمكن من إيجاد الأدوات اللازمة. ثمّ فكرت في أن العربات المتحركة الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة قد تدخل الفرح إلى قلوب مَن يحتاجها أكثر من أي شيء آخر. وطلب مني ابن خالي أن أصنع عربة لطفله الذي لا يستطيع المشي".
استطاع أبو ريدة صناعة أول عربة/ دراجة للطفل زين (5 سنوات) تلائم حجمه الصغير مع أداة لضبط السرعة، وهو الذي كان عاجزاً عن التنقل خارج المنزل. كان يقف عند باب المنزل يُشاهد الأطفال وهم يلعبون، بينما هو عاجز عن فعل ذلك. لكن بعدما حصل على العربة المتحركة، أصبح يتنقل يومياً في الشارع ويشارك الأطفال اللعب وهو جالس فيها.
بعدها، تمكن أبو ريدة من صناعة خمس عربات لأطفال ومسنين بحجم كبير، ووضع نموذجاً للعربات على مقربة من ورشته حتى يراها الناس. يشير إلى أن سعر العربة لا يتجاوز 400 دولار. في المقابل، يصل سعر العربات الكهربائية المستوردة والمخصصة للمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة إلى 2700 دولار.
واجه أبو ريدة معوّقات عدة، من بينها أنه لم يتمكن من الحصول على أي دعم مالي لتوسيع ورشته الصغيرة القريبة من منزله، على الرغم من أنه تقدّم بطلب لإحدى المنظمات المحلية لتطوير مشروعه. وفي بعض المرات، اضطر إلى صناعة عربات من دون لوحة تحديد السرعات، بسبب غياب الأدوات، علماً أن المسنين والأشخاص ذوي الإعاقة يحتاجون إليها.
يقول إن الفرق بين العربة التي يصنعها وتلك الكهربائية الجاهزة التي تستورد من خارج قطاع غزة هو في الشكل، ولوحة التشغيل والتحكم في القيادة. في هذا الإطار، تواصل مع مهندسين متخصصين لتأمين هذه اللوحة لتجنب وقوع حوادث. وتعمل العربات التي يصنعها على بطاريات قابلة لإعادة الشحن، وضعت في صندوق حديدي في أسفل العربة. وكل عربة مزودة ببطاريتين.
يقول: "الشعور الأجمل على الإطلاق هو صناعة شيء من أدوات لا يعيرها الآخرون أية أهمية". يضيف: "كنت أرى الفرح على وجوه أولئك الذين يشترون مني العربة. لكن حتى يكبر مشروعي، أحتاج لأدوات كبيرة من أجل صناعة المزيد من العربات، وأجهزة كبيرة مثل المقدح الثابت (المثقاب) وأداة ثني المعادن الكبيرة لتشكيل هيكل العربة، فهي توفر عليّ الجهد والوقت".