في الرابع عشر من فبراير/ شباط 2020، أعلنت السلطات المصرية اكتشاف الإصابة الأولى بفيروس كورونا الجديد التي تعود إلى شخص أجنبي. وسرعان ما راحت العدوى تنتشر، فيما راحت الأطقم الطبية تتصداها في خطوط الدفاع الأمامية. وقبل أيام من هذه الذكرى الأولى، كانت مصر قد خسرت 367 طبيباً وطبيبة بعد إصابتهم بمرض "كوفيد-19" الذي يسببه الفيروس، ويأتي ذلك وسط نزف يومي للأطقم الطبية، في ظل إمكانات مكافحة ضعيفة ومتواضعة للوباء الذي غزا العالم. وقد تحوّلت الأخبار اليومية التي تتناول وفاة الأطباء وأفراد الأطقم الصحية إلى ما يشبه روتيناً وأمراً اعتيادياً، في وقت تستمر فيه مناشدات الأطباء لتحسين نظم مكافحة العدوى.
وفي تصريحات صحافية، أعادت عضو مجلس النقابة العامة لأطباء مصر السابقة، منى مينا، ارتفاع أعداد الوفيات من الأطباء إلى واقع أنّ "قواعد مكافحة العدوى في المستشفيات غير دقيقة" وأن لا فحوصات دورية يخضع لها الأطباء بهدف رصد حامل العدوى منهم وعزله قبل أن "يصل الحمل الفيروسي عنده لدرجة تسبّب عدوى شديدة وقاتلة". أضافت مينا أنّ الأطباء المصابين بأعراض بسيطة يضطرون إلى العمل، لأنّ ثمّة عجزاً شديداً في الأطقم الطبية، بالإضافة إلى أنّ المستشفيات تعمل في ما هو ليس طارئاً في الوقت الحالي، وهو يخالف الوضع في أثناء الجائحة في كل العالم.
وتعاني مصر نقصاً كبيراً في عدد الأطباء لديها، فيما تُسجّل هجرة الأطباء والكوادر الصحية منذ سنوات. وبحسب الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة للإحصاء (حكومي) حتى عام 2018، فإنّ 75 ألفاً و700 طبيب بالإضافة إلى 143 ألفاً و200 ممرض يعملون في 691 مستشفى حكومياً في مصر، فيما يعمل 25 ألفاً و130 طبيباً بالإضافة إلى 22 ألفاً و800 ممرض في1157 مستشفى خاصاً.
وكان تقرير صادر عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية (منظمة مجتمع مدني) قد خلص إلى أنّ مصر شهدت هجرة كبيرة بين الأطباء منذ تفشي فيروس كورونا في البلاد في منتصف فبراير/ شباط العام الماضي، وأكّد بالأرقام أنّها تواجه موجة ثانية شديدة والعدوى فيها أكثر انتشاراً من الموجة الأولى، نتيجة غياب الإجراءات الاحترازية الكافية وهجرة الأطباء إلى الخارج التي تزايدت عقب الموجة الأولى، وقدّر عددهم بنحو سبعة آلاف طبيب.
ومع مستوى انتشار العدوى في المجتمع اليوم، يمكن القول إنّ مرضى كثراً من الذين يدخلون المستشفيات لسبب أو آخر يحملون الفيروس مع أعراض أو من دون أعراض، وبالتالي تشير مينا إلى أنّه بمجرّد دخول هؤلاء إلى الأقسام العادية في المستشفيات، وليس مستشفيات العزل المخصصة لمصابي كورونا، فإنّ ذلك يجعل الأطباء محاطين بالعدوى، إذ تكون الإجراءات الاحترازية بسيطة في تلك الأقسام. وقد رأت مينا ضرورة إبعاد الأطباء وأفراد الأطقم الصحية المصابين بأمراض مزمنة تؤثّر بالمناعة عن التعامل المباشر مع المصابين بالفيروس. كذلك دعت إلى العمل على تقليل نسب الإصابات والوفيات بين الأطباء والأطقم الصحية من خلال توفير اللقاح لهم.
وفي دراسة أعدتها أمانات المستشفيات الجامعية بالتعاون مع المكتب الفني لوزارة الصحة المصرية ومجموعة من الخبراء والمختصين، حول أوضاع مهنة الطب البشري واحتياجات سوق العمل من الأطباء البشريين في مصر، يقدَّر عدد الأطباء في المستشفيات الحكومية والجامعية والخاصة في مصر، بحوالى 82 ألف طبيب من التخصصات كافة من أصل 213 ألف طبيب مسجّلين، أي ما نسبته 38 في المائة من القوى الأساسية المرخص لها بمزاولة المهنة. أمّا عدد الأطباء التابعين لوزارة الصحة وحدها، فيقدَّر بنحو 57 ألفاً موزّعين على كل القطاعات، ما بين طبيب تكليف أو طبيب ريف أو طبيب تخصص، في حين أنّ العدد الأمثل لقطاعات وزارة الصحة هو 110 آلاف، أي أنّ ثمّة عجزاً قدره 53 ألف طبيب. وبحسب الدراسة نفسها، فإنّ 62 في المائة من الأطباء إمّا يعملون في خارج مصر أو استقالوا من العمل الحكومي أو حصلوا على إجازة. كذلك فإنّ طبيباً واحداً يغطّي 1162 مواطناً، في حين أنّ المعدل العالمي هو طبيب واحد لكلّ 434 فرداً، وإذا أردنا احتساب النسب، فإنّ ثمّة 8.6 أطباء لكلّ 10 آلاف مواطن في مصر، في حين أنّ النسبة العالمية هي 23 طبيباً لكلّ 10 آلاف فرد.
في سياق متصل، طالبت مينا بإقرار معاش شهيد للأطباء الذين سقطوا في خلال جائحة كورونا أسوة بشهداء الإرهاب، وضرورة تذليل أيّ عقبات لصرف المعاش أو تعويضات إصابات العمل وتكريم أسرهم بعدم تعريضهم للحاجة، مؤكدة أنّ هذه المطالب حقوق بسيطة وردّ جميل لجزء من تضحياتهم التي لا تقدّر بأموال الدنيا.
تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من إحالة البرلمان المصري، مطلع يوليو/ تموز 2020، مشروع قانون تقدّم به ووقّعه أكثر من ستين عضواً يقضي بتعديل القانون الخاص بتكريم الشهداء، بالإضافة إلى الأطباء وأطقم التمريض والعاملين في المجال الصحي في أثناء جائحة كورونا واعتبارهم شهداء، إلى القانون رقم 16 لسنة 2018 الخاص بصندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، فإنّ هذا القرار لم يُفعّل إلا في يناير/ كانون الثاني 2021، أي بعد أقلّ من عام على انتشار الوباء في مصر.
ونصّ قرار الزيادة على أنّه "بالإضافة إلى ما يتقاضاه أعضاء المهن الطبية المخاطَبون بأحكام هذا القانون من بدلات أخرى مقرّرة عن مخاطر العدوى في أيّ تشريع آخر، يُمنح أعضاء المهن الطبية المشار إليهم بدل مخاطر المهن الطبية شهرياً وفقاً للفئات الآتية: 1225 جنيهاً مصرياً (نحو 80 دولاراً أميركياً) للأطباء البشريين، و875 جنيهاً (نحو 55 دولاراً) لأطباء الأسنان والصيادلة والبيطريين ومتخصصي العلاج الطبيعي، و790 جنيهاً (نحو 50 دولاراً) لمتخصصي التمريض العالي والكيميائيين والفيزيائيين، و700 جنيه (نحو 45 دولاراً) للحاصلين على دبلومات فنية لفنيي التمريض والفنيين الصحيين". وبناءً عليه، فإنّ معاش الأطباء ضحايا فيروس كورونا في عام 2020 يحدّد بـ 5600 جنيه (نحو 360 دولاراً)، فيما معاش الأطباء ضحايا الفيروس في عام 2021 يقدّر بـ 6000 جنيه (نحو 380 دولاراً). ويعود ذلك إلى أنّ الحدّ التأميني كان في عام 2020 يقدّر بـ 7100 جنيه (نحو 455 دولاراً)، ومعاش إصابة العمل منه 80 في المائة، أي 5600 جنيه (نحو 360 دولاراً). أمّا الحدّ التأميني، فارتفع في عام 2021 إلى 8000 جنيه (نحو 512 دولاراً)، فيساوي معاش إصابة العمل منه 6000 جنيه (نحو 380 دولاراً).