لا راحة حتى للموتى في قطاع غزة؛ فالقبور قد تكون جماعية مع تزايد أعداد الشهداء، ويتم حفرها على عجل لإنهاء الدفن دون التعرض لرصاص الاحتلال، سواء كانت القبور في ساحات المستشفيات أو المدارس، معاناة لا تنتهي بانهمار التراب على جثامين الشهداء، حيث تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي مطاردة الفلسطينيين في قبورهم بنبشها.
في حي التفاح في مدينة غزة، رصد مصور لـ"فرانس برس" قوات الاحتلال تنبش قبرا. وتلقي رفاتا وجثثا ملفوفة بالأكفان إلى جانب القبر وفوق أرض موحلة.
تقول وزارة الشؤون الدينية في قطاع غزة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي "هدم ودمر أو خرب أكثر من ألفي قبر في عشرين مقبرة رسمية وعشوائية وبداخل المستشفيات، وذلك خلال حربه على القطاع التي شنها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الاحتلال ينتهك القبور في غزة
سائدة جابر (43 عاما) التي نزحت من مخيم جباليا شمال القطاع إلى مدرسة في دير البلح وسط القطاع تروي كيف شاهدت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد لمقبرة جباليا بعد تجريفها، مضيفة: "شعرت بأن قلبي سيقف. والدي وجدتي وجدي دفنوا هناك في المقبرة وكثير من أفراد عائلتنا ومعارفنا".
ووصفت مشاعرها بأنها "شعرت بأن أرواحهم ارتجفت، لا يمكنني تخيل كيف يجرؤ أحد على نبش القبور وانتهاك حرمة الأموات".
في مدرسة باتت مركز إيواء في مخيم المغازي وسط القطاع، لجأ النازحون إلى حفر قبور في ساحة المدرسة، وقالت سيدة بتأثر: "ابنتي (..) شهيدة ماتت بين ذراعي. ليل نهار لم يكن هناك إسعاف لأخذها" إلى غرفة الطوارئ، موضحة أن المدرسة تعرضت لقصف بالصواريخ ما أدى إلى انفجار عبوات غاز.
وأشار رجل يعتني بالموقع إلى أنه تم دفن أكثر من 50 شخصا، مع وجود بين ثلاث وأربع جثث في كل قبر. وكُتبت الأسماء إما على الطوب أو على الجدار المجاور.
مقابر جماعية لشهداء غزة
وأدى الارتفاع الكبير لأعداد الشهداء إلى وجود مقابر جماعية في مختلف أنحاء القطاع، حيث اضطر كثيرون لدفن الجثث في ساحة مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة. وحدد كثيرون القبور بالحجارة وأغصان النباتات، ومن بينهم عرفة دادر (46 عاما) الذي استشهد نجله محمد (22 عاما) عندما كان عائدا إلى المستشفى قبل عدة أسابيع.
وقال إنه دفن ابنه في حديقة المستشفى الخلفية مقابل قسم ثلاجة الموتى، موضحا "لو ذهبنا للمقبرة قد يقومون بقصفنا ونموت"، مضيفا: "وضعت علامة على القبر، الآن الحديقة مزدحمة بقبور جماعية، بالكاد أتعرف على قبر ابني".
ويأمل الكثير من سكان غزة عند انتهاء الحرب التمكن من نقل رفات أقاربهم لدفنهم في مقابر أخرى، ويقول مدير مكتب قناة الجزيرة في غزة وائل الدحدوح إنه اضطر لدفن نجله في مقبرة جنوب رفح بعد استشهاده في إحدى الغارات الإسرائيلية، موضحا "سننقله إلى مقبرة الشهداء في غزة بعد انتهاء الحرب، نريد أن يكون قبره قريبا لنتمكن من زيارته والدعاء له".
وفي دير البلح، تؤكد سائدة جابر أنها ستعود إلى جباليا لتفقد قبور عائلتها، مضيفة: "سأموت من القهر لو كانت جُرفت أيضا".
من جهته، يزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه "لا يستهدف المقابر وليست لديه سياسة إيذاء المقابر أو تدنيسها"، ولكنه يرى أن "المقابر أو مقابر محددة، مثل أي مواقع أو مبان مدنية أخرى، يمكن أن تتعرض لأضرار" خلال الحرب.
وفي بيان منفصل، أعلن جيش الاحتلال أنه ينشط "في أماكن محددة، حيث تشير المعلومات إلى احتمال العثور على جثث رهائن"، زاعماً أن "الجثث التي يتم تحديد أنها لا تعود للرهائن تعاد بكرامة واحترام".
(فرانس برس، العربي الجديد)