يحتضن الحي الثقافي "كتارا" في العاصمة القطرية الدوحة "متحف طوابع البريد العربي"، الذي جرى نقله من مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة إلى قطر في عام 2010، ويحوي المتحف أكثر من 32 ألف طابع بريد توثق مئات الأحداث والمناسبات الهامة في العالم العربي، إضافة إلى قرابة 65 ألف طابع من دول غير عربية.
وبدأ العمل في إنشاء المتحف في عام 2011، عبر تجهيز قاعة خاصة لعرض الطوابع، وأرشيف خاص بالمتحف، وفقاً للموقع الإلكتروني لـ"كتارا"، ووفرت مؤسسة "بريد قطر" كل ما يلزم لعرض الطوابع بطريقة مناسبة، ومكتبة تحتوي على ألبومات لطوابع جميع الدول العربية.
وحول أهمية وجود هذا المتحف في الحي الثقافي القطري، يقول المدير العام لـ"كتارا" خالد السليطي إن المتحف هدفه تحقيق رسالة المؤسسة الساعية إلى مد جسور التواصل بين الشعوب، وفتح نوافذ المعرفة على ثقافتها وحضارتها، مؤكداً أن مجموعة طوابع المتحف تتناول موضوعات مختلفة، وتشمل مجموعة من أندر الطوابع العربية.
وخلال افتتاحه رسمياً في مايو/ أيار2015، أكد رئيس مجلس إدارة "بريد قطر" فالح محمد النعيمي أهمية متحف طوابع البريد العربي في استعراض جميع الطوابع البريدية التي كانت موجودة لدى جامعة الدول العربية على مدار سنوات، مشيراً إلى أن المتحف يعد "فرصة نادرة لهواة جمع الطوابع لرؤية مجموعة فريدة من نوعها. سنعمل جدياً على تطوير وتعزيز المتحف ليكون واجهة تفتخر بها قطر، لأن الطوابع البريدية ليست مجرد وسيلة لدفع رسوم الطرود، بل هي عبارة عن وسيلة لتوثيق التراث عبر الأجيال".
ويرى الباحث القطري في التراث الشعبي صالح غريب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "احتضان الدوحة متحف طوابع البريد العربي كان خطوة مهمة، على اعتبار أن قطر رائدة في هذا المجال، وهناك عدد كبير من هواة جمع الطوابع في الدولة، كما أن شركة الخدمات البريدية القطرية وفرت قسماً خاصاً في مبناها الرئيس بالدوحة لهواة جمع الطوابع، والذين يقتنون الإصدارات الأولى من أي مجموعة طوابع بريدية على المستوى المحلي والعربي والعالمي".
وأشار غريب إلى أنه كان يعمل موظفاً في "بريد قطر" لفترة من الزمن، وكان من هواة جمع الطوابع، ويتابع: "كنت أجمعها عبر الرسائل مع عدد لا بأس به من الأصدقاء حول العالم، لكن هذه الهواية انقطعت مع انتقال عملي إلى مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون الخليجي، لكن تواصلي مع الطوابع لم ينقطع مع متابعتي لفعاليات (النادي القطري لهواة الطوابع والعملات)، الذي بدأ نشاطه في عام 1998، وقد تحول إلى مركز يتبع وزارة الثقافة".
وحسب مدير النادي القطري لهواة الطوابع والعملات حسين رجب الإسماعيل، فإن عدد المنتسبين إلى النادي منذ إشهاره تجاوز 250 هاوياً، ويحرص على جمع مختلف الطوابع التاريخية بما تمثله من أهمية لذاكرة قطر. موضحاً أن "الطوابع ارتبطت بتاريخ البريد في قطر، الذي يعود إلى عام 1950، وكان أول إصدار للطوابع القطرية يتضمن صور الصقر، والسفينة، والمسجد، إذ يرمز الصقر إلى تراث قطر البري، فيما ترمز السفينة إلى تراثها البحري وتاريخها الاقتصادي، في حين يرمز المسجد إلى دين البلاد".
ويضيف الإسماعيل: "عناصر عملية شراء وجمع الطوابع متنوعة، أهمها تاريخ الطوابع الموضوع على ظرف الرسالة الأصلي مع الختم، وهو أشهر أشكال التجميع التي بموجبها يتم اقتناء الطابع".
ويشير صالح غريب إلى أن متحف طوابع البريد العربي في "كتارا" أصبح منصة ثقافية وفنية مهمة للراغبين في الاطلاع على ما تحمله الطوابع من قيمة تاريخية وحضارية توثق المناسبات والفعاليات التي شهدها العالم العربي والعالم، لافتاً إلى أنه يجذب المتخصصين، ويتيح فرصة لهواة الطوابع للاطلاع على مجموعات نادرة لن تكون متاحة بسهولة لولا وجود هذا المتحف.
ونظم المتحف، منذ انتقاله إلى الدوحة، العديد من المعارض الخاصة بطوابع الدول، مثل معرض طوابع جيبوتي، ومعرض الصومال، وضم معرض طوابع اليمن 2500 طابع بريد تحكي الكثير عن تاريخ وحضارة الجمهورية اليمنية بين عامي 1962 و2012.
وفي فبراير/شباط 2013، نظم المتحف معرض "الطوابع المصرية"، الذي ضم عدداً كبيراً من الطوابع البريدية التي تمثل حقباً زمنية مختلفة من التاريخ المصري المعاصر، وتنوعت رسومات الطوابع بين الرسوم الفرعونية، وطوابع الآثار الإسلامية، وأخرى تبرز كبار الشخصيات في المجالات المختلفة، وطوابع تحمل صوراً لفناني مصر الكبار مثل أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب.
وفي مارس /آذار 2013، نظم المتحف معرض طوابع دولة الكويت، وضم عدداً كبيراً من الطوابع البريدية الكويتية، ومنها طوابع تحمل صورة مؤسس الدستور الكويتي، وطوابع توثق إنجازات كويتية في مجالات مختلفة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، شهد المتحف معرضاً عن دولة الإمارات، احتوى على 42 لوحة من إصدارات قديمة وحديثة للطوابع البريدية، تصور أهم الأحداث المحلية، والمناسبات الوطنية، والإرث الثقافي والشعبي، والحياة البرية والبحرية، والنهضة العمرانية وغيرها.
وفي يوليو/ تموز 2021، شهد المتحف تدشين أربعة طوابع بريدية بمناسبة اختيار الدوحة عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، تعكس ما تتميّز به العاصمة القطرية من معالم تاريخية وإسلامية متنوّعة.
كما استقطب متحف البريد العربي مشجعي بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، التي استضافتها قطر لأول مرة في الشرق الأوسط، ومع انطلاق فعاليات المونديال، افتتح المتحف، في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، معرض الطوابع البريدية لكأس العالم، والذي ضم نحو 340 طابعاً من جميع أنحاء العالم، منها 280 طابعاً تتناول بطولات كأس العالم لكرة القدم منذ أول بطولة أقيمت في عام 1930 في الأوروغواي، إلى جانب مجموعة نادرة من المقتنيات الخاصة بكأس العالم، من بينها تذكارات مختلفة تعرض لأول مرة، وبمشاركة هواة جمع طوابع من قطر وإيطاليا والبرازيل، إضافة إلى مجموعة من المقتنيات الرياضية الخاصة بأسماء شهيرة من اللاعبين وحكام كرة القدم، مثل اللاعب البرازيلي بيليه، ورسائل من لاعبين إلى معجبيهم، فضلاً عن جناح خاص بالطوابع التي أصدرها بريد قطر بمناسبة "مونديال 2022".